انتقادات لمحاولات الحكومة الفلسطينية تعديل قانون "السلطة القضائية"

15 يونيو 2017
مجلس القضاء الأعلى في فلسطين (عباس موماني/فرانس برس)
+ الخط -
يتصدى القضاة والمحامون الفلسطينيون وكذلك أعضاء من النيابة العامة الفلسطينية، لمحاولات حكومية لإصدار مسودة قانون من شأنه تعديل قانون السلطة القضائية، محذرين من أن ذلك سيقود إلى تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية والنيل من هيبتها.

وقال رئيس جمعية نادي القضاة الفلسطينيين، أسامة الكيلاني، لـ"العربي الجديد"، إن "تلك المحاولات من شأنها أن تؤدي إلى تقويض الفصل بين السلطات الثلاث التي هي عمود نظام الحكم الرشيد، لذا لا بد من التراجع عن هذا التعديل للقانون لأنه من أسمى القوانين ويصل إلى مصاف القوانين الدستورية واعتداء على قانون السلطة القضائية".

وأكد الكيلاني أن إقرار هذه التعديلات محاولة للنيل من استقلال وحرية القضاء، ومن شأن ذلك أن يجعل الباب مفتوحا أمام السلطة التنفيذية للتدخل بشؤون القضاء ويؤدي إلى انهياره، وينهي مرحلة استقلال السلطة القضائية.

ولفت رئيس جمعية القضاة الفلسطينيين إلى مخاطبة الرئيس محمود عباس، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، من أجل التراجع عن هذا التعديل، إضافة إلى الدعوة لاجتماع مشترك بين نادي قضاة فلسطين والنيابة العامة لتداول الموضوع والعمل على خطوات احتجاجية يمكن اتخاذها، حتى تقوم السلطة التنفيذية برفع يدها عن قانون السلطة القضائية.

واعتبر الكيلاني أن هذا القانون من أخطر القوانين التي قد تمر على السلطة القضائية، وقال: "لسنا ضد التعديل، إن كانت هناك ضرورة قصوى فيمكن ذلك، لكنه لا يوجد أي ضرورة لإلغاء القانون، فهو تعديل لكل المواد، وكأنه مشروع يؤدي إلى جعل القضاء تحت وصاية السلطة التنفيذية".

وشدد على أن تعديلات القانون يجب أن تجري وفقا للإجراءات الدستورية المنصوص عليها، والتي خولت المجلس التشريعي إدارة عملية تعديل قانون السلطة القضائية، شأن ذلك شأن القوانين الأخرى، وإن كان القانون من أهم القوانين التي تنظم السلطة القضائية باعتبارها سلطة مستقلة، محذرا من خطورة المساس بقانون السلطة القضائية لما يترتب على ذلك من انهيار لاستقلال السلطة القضائية.


فصل بين السلطات

ومن أبرز التعديلات بمشروع القرار بقانون بتعديل أحكام قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002 ، أن جعلت مسودة القانون الجديد في حال إقراره، عملية تعيين رأس السلطة القضائية بيد رئيس الدولة، وهي مخالفة جسيمة لأن القضاة غير قابلين للعزل، وكان يتم الترشيح من القضاة ويصادق عليه الرئيس، علاوة على أن القانون القائم يتيح مساءلة النائب العام، والتعديلات قصرت ذلك على وزير العدل، وإجراءات أخرى تتيح تدخل السلطة التنفيذية بالشأن القضائي والصلاحيات التي منحها المشرع للنظام القضائي.

من جانبها، قالت الهيئة الإدارية لجمعية نادي أعضاء النيابة العامة، في بيان، إن "إجراء أي تعديل على هذا القانون بعيدا عن السلطة التشريعية، ودون مراعاة الضوابط الدستورية، يشكل افتئاتاً على مبدأ الفصل بين السلطات، وتعديا على استقلال السلطة القضائية، بوصفها مبادئ دستورية ملزمة للكافة، وبوصفها مبادئ سامية تقتضيها ضرورات الحكم الرشيد، ويُرسيها مبدأ سيادة القانون الذي يعني خضوع الحكام والمحكومين له، ومؤدى ذلك أنّ أي مقترح لتعديل قانون السلطة القضائية خلافا لهذه الضوابط الدستورية، يعني هدم المبدأ الفاصل بين السلطات، وتجريد القواعد الدستورية من مضمونها".

وأكدت أن من أخطر التعديلات المقترحة "جعل النائب العام مسؤولا أمام الحكومة من خلال وزير العدل، علماً بأنه حالياً مسؤول أمام المجلس التشريعي، "فكيف للنائب العام بعد ذلك ملاحقة الوزراء أو مجلس الوزراء أو حتى رئيس الوزراء، ما دام أصبح ملحقا به"، إضافة لآليات تعيين وعزل رئيس مجلس القضاء الأعلى، وعصا التقاعد المبكر، وهذا ما نرفضه جملة وتفصيلاً.


محاولات تغول


وأوضح أمين سر نقابة المحامين الفلسطينيين، داود درعاوي، لـ"العربي الجديد"، أنه في السنوات الأخيرة كانت هناك محاولات لإحكام السيطرة على السلطة القضائية، خاصة بعد حالة الانقسام قبل 10 سنوات، من خلال الكثير من التدخلات بصلب عمل المحاكم النظامية ومحاولات تعديل قانون السلطة القضائية.

وأكد درعاوي أن إقرار هذا القانون هو تغول، وشكل من أشكال النظم الشمولية الدكتاتورية التي تحكم قبضتها على كافة سلطات الدولة، وما تلبث أن تصير نظاماً بوليسيّاً شاملاً يتناقض مع مبادئ حقوق الإنسان، ويخضع المواطنين بالجبر والقوة، ولم يكن هناك اجتراء على السلطة القضائية وتفعيل دوائر الحكومة لولا غياب المجلس التشريعي وحالة الانقسام والتي غيبت الجهة الرقابية دون أن تكون هناك جهة تسائل السلطة التنفيذية وتستجوبها أمام ممثلي الشعب.

وأكد أنه يوجد قرار حاسم بالتصدي بكل الوسائل الاحتجاجية لردع الحكومة عن المساس بهيئة القضاء واستقلاله، "تم إرسال مذكرات عاجلة للرئيس والحكومة، وسنعمل على خلق لوبي ضغط من المؤسسات الشريكة والشعبية، وفي حال إصرار الحكومة على تمرير هذا القرار سنلجأ للآليات والتعاقدات الدولية المنبثقة عن انضمام فلسطين لها، وكذلك توجيه مذكرة إلى المقرر الخاص باستقلال القضاة والمحامين في الأمم المتحدة بهذا الشأن".

وأوضح درعاوي أن "هناك مراكز نفوذ في ظل الانقسام وغياب المجلس التشريعي والاستحواذ على التربع على رأس السلطات والمؤسسات العاملة، وربما سرع حالة الصراع على مراكز النفوذ إلى إصدار القرار بقانون، علاوة على محاولة تقنين ما هو قائم على أرض الواقع، ويبدو أن هناك وصولاً لحالات متقدمة بمسألة انتهاك القواعد الأساسية في ظل غياب حكم وسيادة القانون".

وفي بيان لنقابة المحامين، ذكرت النقابة الحكومة الفلسطينية بالتزاماتها بموجب المعايير الدولية المستمدة من الاتفاقيات، التي وقعت عليها بشأن مراعاة استقلال السلطة القضائية، وعدم قابلية القضاة للتعيين أو للعزل.

وأكدت النقابة أن "انتهاك مبادئ استقلال القضاء يثير المسؤولية التعاقدية والأخلاقية لدولة فلسطين بوصفها عضوا مراقبا في الجمعية العامة للأمم المتحدة"، فيما شددت على أن ما ورد من انتهاكات جسيمة ومغالطات دستورية في مسودة القرار بقانون يمثل انتهاكا للميثاق العالمي للقضاة، الصادر عن المجلس المركزي للاتحاد الدولي للقضاة في 1999.

وحذرت نقابة المحامين من خطورة التعديلات المقترحة وما سيتبعها من احتجاج نقابي على حقوق المواطنين والمتخاصمين، وسينعكس سلبا على مؤشر رضا الجمهور عن مؤسسات العدالة ككل.

وقررت نقابة المحامين توجيه مذكرة إلى الرئيس محمود عباس، بعدم الموافقة على أي تعديل لقانون السلطة القضائية في ظل غياب المجلس التشريعي، وكذلك مخاطبة مجلس الوزراء بضرورة احترام مبدأ الفصل بين السلطات وعدم التدخل في شؤون العدالة.