يرتبط مصطلح النقد الفنّي غالباً بالمعنى السلبي، من حيث أنه تصيّد الأخطاء أو الزلّات، كما ارتبط بالميل الشخصي والتحيّز، وهو اعتقاد سطحي ضحل لا يقرب إلى الحقيقة؛ فالنقد عملية عميقة من عدّة مراحل، أولها تذوّق المتلقي للعمل الفني ثم تحليله واستخلاص وتكوين رأي عن هذا العمل، تفنّد علاقته التاريخية بأشباهه، وتخلص إلى نقاط إيجابية وسلبية فيه، وما نجح في تحقيقه وما أخفق.
بالنسبة إلى الموسيقى، فإن النقد يتطلّب معرفة ودراية، ثم تحليل القطعة موسيقياً، وهو ما يقتضي المعرفة العلمية الكافية في سياق التاريخ المرتبط بها وبسابقاتها من الأعمال، وأيضاً في السياق المجتمعي الذي ظهرت فيه، وهذا بدوره يتطلب اطّلاعاً عاماً وتحديثاً مستمراً لمعلومات الناقد، الذي يقوم بتكوين رأيه بناءً على كل ما سبق من دون تنحية ذاتيته أو رأيه الشخصي وذوقه، وهذا أمر طبيعي للغاية، ويكذب من يدّعي الحياد التام في النقد.
الخطوة التالية في النقد هي نشر ما يتوصل له الناقد عبر القنوات المناسبة ليصل إلى جمهوره المستهدف والذي قد يكون الفنان نفسه، جمهور العمل الفني أو المؤسسات القائمة على صناعة الموسيقى في المجتمع المحيط، ويستخدم الناقد في هذا القنوات الإعلامية وتحديداً الصحافة كوسيط يسمح بالتوثيق المنظم للأفكار والإسهاب في شرح التفاصيل والنظريات، ما يجعل تفعيل دوره تحقق وصوله لجمهوره وتحقّق الهدف من النقد، وبالتالي استمرار ممارسته إياه، وهنا تواجه الناقد العقبة الأولى متمثّلة في قلّة المساحة التي تخصّصها الصحافة لنقّاد الموسيقى.
في حين يبدو النقد الموسيقي رفاهية في مجتمعات تحاول الصمود يومياً ضد مشاكل ضخمة دموية الطابع، هو في حقيقة الأمر ضرورة قصوى لتطوير الواقع الموسيقي وتحريكه مؤدياً إلى التغيير، والفن وتحديداً الموسيقى أداة للتغيير الاجتماعي على المدى الطويل.
عدم إيمان المؤسسات الإعلامية، وتحديداً الصحافية، بهذا المفهوم للنقد ودوره، هو ما يجعلها تختزل الكتابة عن الموسيقى، خصوصاً إلى الكتابة الخبرية الحدثية التي لا تتطرّق إلى عرض أو مضمون، ناهيك عن طرح نظرية عن الغرض من خلق العمل الفني نفسه، حيث تنتفي خطوة كسب الجماهيرية المرجو تحقيقها في المؤسسة الصحافية مع نشر مواد أقرب إلى التخصص في حقل لا يهتم الكثيرون بالقراءة عنه مثل الموسيقى ويفضلون الاستماع إليها فقط.
إضافة إلى دور الذاتية المقبول والمنطقي في النقد، يجب علينا إدراك أنه لا وجود للناقد الجاهز الملمّ بالتاريخ والحاضر من الفرق الموسيقية بأعمالها مثلاً، وفي ذات الوقت يكون أكاديمياً متخصصاً ملمّاً بالتفاصيل.
كما يجب الالتفات إلى أن دور النقد ليس بالضرورة الارتقاء بالذائقة العامة قدر ما هو تفنيد المقدّم وتحريك الساحة الموسيقية وتقديم المعلومات المتخصصة في شكل يحتمل أن يفهمه غير المتخصصين. لهذا يجب ألا نخلط بين الرسائل الأكاديمية والكتابة النقدية وإن تخصّص الناقد.
عقبة أخرى يواجهها الناقد هي نظريات ومناهج النقد التي من المفترض أن يستند إلى بعضها، فقد استوردنا عربياً نظريات النقد الموسيقي الأوروبية لنقص السياق الموسيقي العربي المنظّم الذي يساعد على إنتاجها، أو الوسط المناسب للعمل بها أو محاولة مقارنتها بالواقع أو تطبيقه، فمعظم تلك النظريات ناتجة في سياق حضاري مختلف تماماً، هو السياق الأوروبي بموسيقاه المغايرة للموسيقى العربية بقواعدها المختلفة في التأليف والتذوق واختلاف اللغات، فكيف يستند إلى المناهج والنظريات ذاتها في نقد الموسيقى العربية؟
والسؤال الأخير هو كيف يمكن أساساً الاستناد إلى نظرية ما في تفسير فن مثل الموسيقى لا يمكن وضعه داخل إطار؟