وفي الوقت الذي وصف فيه البعض هذا الأمر بـ"الفسيفساء التي تمثل صورة جميلة عن تونس"، استغرب آخرون كيفية اشتراك أحزاب متنافسة وكثيراً ما كانت متناحرة كالجبهة والنهضة والنداء والحراك في قائمة واحدة، معتبرين أنه لا يمكن لها وبأي صورة أن تلتقي في يوم ما معاً، ما يمثل مفاجأة الانتخابات البلدية.
ورغم أن البعض أثنى على هذه المبادرة التي لم تفكر فيها الأحزاب، فإن عدداً من المخاوف برز مباشرة بعد الإعلان عن طبيعة هذه القائمة، ولعل أبرزها ضغوطات الأحزاب نفسها التي لن تقبل بهذا الأمر.
وأكد القيادي في "حراك تونس الإرادة"، عبد الواحد اليحياوي في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ "القائمة موجودة في بني مطير1 من محافظة جندوبة في الشمال الغربي، وأنها لم تتشكل بخلفية حزبية أو بتنسيق من الأحزاب التي تم ذكرها". وأكد أن المجتمع في بني مطير "ذو طابع ريفي وأغلب السكان يعرفون بعضهم بعضاً وقد تجمعهم قرابة عائلية أو صلة رحم أو يكونون من العشيرة نفسها".
وأوضح اليحياوي أن هذه "القائمة تعتبر فعلاً مفاجأة الانتخابات، إذ إنهم كانوا يعتقدون في البداية أنها ستضم التكتل والتيار الديمقراطي ثم وجدوا الجبهة والنهضة"، معتبراً أنها "فعلاً صورة جميلة لتونس لأن اشتراك كل هذه الأحزاب في قائمة واحدة أمر مطلوب، وتونس المستقبل يجب أن تكون كذلك فسيفساء من جميع الأحزاب وتضم العائلات السياسية المختلفة ويجمعهم مشروع واحد".
وأضاف القيادي في "حراك تونس الإرادة" أن "قيمة هذه القائمة هي أن أعضاءها سيدخلون الانتخابات البلدية معاً، وسيكتشف من خلالها التونسيون قدرة هؤلاء على العمل سوية وبالتالي التعايش معاً"، مضيفاً أن "هذا الأمر ممكن في تونس وقد تثبت التجربة نجاحه".
وبين أنه من خلال تجربته الشخصية فقد كان في "حركة النهضة"، ثم انتمى إلى "الحزب الجمهوري" وهو الآن في "الحراك"، ورغم أنه انتمى إلى عائلات مختلفة فكرياً وإيديولوجياً، إلا أنها مثلت له تجربة مهمة لفهم الواقع والشأن السياسي، معتبراً أن "اختلاف التجارب يكشف مدى القدرة على التعايش".
وأوضح اليحياوي أن "هناك تجارب ومشاريع صغيرة قد لا ينتبه إليها البعض، ولكن يمكن أن نتعلم ونبني منها؛ فالبعض قد لا ينتبه مثلاً إلى قائمة صغيرة في بني مطير في أقصى الريف ولكن ربما من خلال هذه التجربة قد تحصل الإضافة وتتعلم الأحزاب إمكانية التعايش".
وأكد أن "المصالحة الحقيقية في تونس يجب أن تكون بين الإسلاميين واليساريين؛ فهذا العداء غير مقبول حالياً والتجربة التي حصلت قبل الثورة كانت جيدة وبينت قدرة الأحزاب المختلفة على التعايش"، مبيناً أن "تونس في حاجة إلى إعادة النظر في علاقة الأحزاب بعضها ببعض والتأسيس لنظرة مستقبلية تبنى من خلالها علاقات جديدة رغم الاختلافات لتكون بعيدة من التجاذبات السياسية والإيديولوجية والفكرية".
من جانبه، استغرب الأمين العام للتيار الديمقراطي، غازي الشواشي، وجود قائمة تضم مختلف هذه الأحزاب، مبيناً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن" ما يجمع هؤلاء ضمن نفس القائمة التقارب العائلي والقبلي والحي، ولكنها لن تكون بداية لتقارب سياسي أو فكري بين هذه الأحزاب".
وأضاف أن "الانتخابات البلدية لها خصوصية وهي مختلفة عن بقية الانتخابات؛ فهي ليست انتخابات سياسية بامتياز بل مواطنية ومجتمعية، وأن يكرّس أشخاص ينتمون إلى عائلات سياسية مختلفة علاقاتهم لخدمة منطقتهم والمرفق العمومي، فهذا أمر جيد إذ يمكن أن يتوحد المجتمع في ملفات لا علاقة لها بالسياسة"، معتبراً أن "للسياسة مرجعيات وخلفيات ويصعب وجود ائتلافات بين أحزاب مختلفة في مرجعياتها وأفكارها، فهذا الأمر لا نجده ممكناً حتى في الخارج وفي أقوى الديمقراطيات".