رغم الآلام العنيفة بسورية.. آمال كبيرة بإنهاء الحرب قريباً

18 مايو 2017
السوريون يحاولون التفكير في المستقبل (Getty)
+ الخط -
كل بيت سوري يُخبئ بين جدرانه وخلف أبوابه قصصاً مؤلمة لم تحصل على مر التاريخ، بدءاً من قصص موت الأطفال الصغار بالغازات السامة وصولا إلى موت الشابة بيلسان ناصر العروس في ليلة عرسها خنقاً بالغاز مع زوجها لؤي الشيخ في قرية الكسوة بريف دمشق، مات والد العريس فور مشاهدته ما حصل لابنه في ليلة حمله مع حبيبته، أهالي المدينة وجدوا الشاب والشابة مستلقيين جثتين هامدتين.

إما معتقل أو قتيل أو معاق في كل بيت سوري؛ خلف ذلك طفل يبكي جائعاً أو زوجة تموت حسرة على ما حلّ بها أو أم تشكو موت فلذة كبدها، يستثنى من ذلك أصحاب الأموال الكبيرة الذين يعيشون خارج سورية وأمراء الحرب وكبار الضباط جميعهم ما زالوا يعيشون حياتهم من دون أن تشوبها شائبة، بينما آلاف الأمهات يرفضن أن يلبس أطفالهن الكفن الأبيض ظنا منهن أنهم لم يموتوا بعد، وليس من عاقل يقول لهن: إنهم أحياء عند ربهم بل ويرزقون.


كبار الضباط المنتمون لعائلة الأسد يقولون: "استلمنا سورية وكان تعداد سكانها 13 مليوناً وسنعيدها إلى هذا الرقم!"، هذه المقولة الآن قد تحققت فلم يعد يقطن في مناطق النظام السوري أكثر من 11 مليوناً، إذ أكدت إحصائيات الأمم المتحدة أن عدد النازحين في سورية بلغ 13.5 مليوناً؛ 6.5 نزحوا خارج البلاد، بينما 7 نزحوا من مناطقهم إلى أماكن أخرى غالبيتهم من حمص ودير الزور والرقة وريف دمشق.

في تركيا، ومدينة الريحانية تحديدا يمكن لأي زائر أن يرى نسبة المعاقين الذين يتجولون على كراسي متنقلة أو يستخدمون العكازات، بينهم نسبة كبيرة من الأطفال، وليس آخرهم الطفلة مرام التي التقاها طبيبها البريطاني بعد فراق دام 8 أشهر، الطفلة من دون أب وأم، لكنها الآن تعيش بأمان برعاية الحكومة التركية، والطفل جمعة لم يتجاوز سن الـ17 من عمره معاق نتيجة شظية صاروخية استقرت في عموده الفقري جعلته عاجزا لا يتنقل إلا بواسطة كرسي، جمعة يرفض حتى الآن الاعتراف بواقعه ويتجول وحيدا بين المشافي التركية باحثا عمن يعيد له عافيته وصحته يريد أن يعيل أهله ويساعد إخوته الصغار في إكمال دراستهم أو تأمين مكان لهم بعيدا عن شظايا الحرب.

في منتصف عام 2015 عقد مؤتمر في مدينة أنطاكية التركية ترعاه مؤسسات مجتمع محلي، تحدث المؤتمرون عن أرقام الأطفال الأيتام في سورية، وقد تجاوز الرقم نصف مليون يتيم، جزء كبير منهم ما زال في الداخل السوري، ومحظوظ منهم من استطاع الوصول إلى بلدان الاتحاد الأوربي حيث الرعاية والاهتمام.

تحدث الحاضرون أيضا عن فئة من الأطفال يطلق عليهم "اللطيم" وهم فاقدو الأب والأم، لكم أن تتخيلوا كيف يعيش هؤلاء ومن أين يحصلون على طعامهم.

الحكومة السورية المؤقتة في نهاية عام 2015 أكدت أن نسبة المعوقين بلغت 350 ألف معاق في شمال سورية وتركيا فقط، هؤلاء جميعهم كانوا معيلين لأسرهم تحولوا إلى عالة يتسولون المساعدات من هنا وهناك.


هل من عاقل يستطيع أن يوقف هذه الحرب المجنونة؟ سؤال يرواد كل السوريين ذلك أن ست سنوات من القتال كانت نتيجتها فقط الأرقام التي تحدثنا عنها وما زالت في ارتفاع مستمر، بعض النسوة في مدينة إدلب يسقط الجنين من أرحامهن عند سماعهن أصوات الطائرات الحربية، وأطفال صغار يختبئون خلف الأبواب معتقدين أن ذلك سيحميهم من الوحش الكبير الذي يحلق في السماء ويحصد الأرواح.

ما حصل مؤخرا في مؤتمر أستانة على الرغم من عدم نجاعته حتى الآن إلا أن هناك مناطق قد حيدت من الطيران كمركز مدينة إدلب ومناطق الجنوب السوري وريف حمص الشمالي، إذ يقطن في هذه المناطق ما لا يقل عن 3 ملايين نسمة ممن صنفوا ضمن النازحين داخليا.

فيما لو استمرت الاتفاقية المسماة "خفض التوتر" يمكن للسوريين هؤلاء المضي قدما في حياتهم والتفكير في مستقبل أفضل، رغم كل الجراح الغائرة النازفة، فإرادة الحياة فوق كل إرادة، والجميع يراهن على أن السلام وحده سيتيح لأبنائهم أعمارهم من جديد، ولا أحد سيكون حريصا على ذلك دونهم.

مهندسو البناء والزراعة والعمال يتحينون الفرصة كي يعيدوا بناء بيوتهم ويزرعوا أرضهم، هذا ما يسمى الانتقال من الإغاثة إلى التنمية لأن المهندس والمزراع في الوقت الراهن يبحث عن لقمة يسد بها رمقه بعيدا عن متناول القذائف والدمار حتى أن عددا كبيرا من المهندسين يراهنون على عدم حاجة السوريين لأي مساعدة خارجية لأن في سورية ما يكفي جميع أبنائها.

آمالٌ كبيرة يعقدها قاطنو الخيام ونازحو البلدان المجاورة على من يخطو إلى إنهاء الحرب بهذه الخسائر الكبيرة التي فاقت كل تصور، وما قاله جبران: "وقاتل الجسم مقتول بفعلته وقاتل الروح لا تدري به البشر" فهو ينطبق على حال السوريين جميعا.
المساهمون