كشفت معلومات مصادر ليبية متطابقة، اليوم الثلاثاء، النقاب عن عدم قبول رئيس المجلس الرئاسي لـحكومة "الوفاق" فايز السراج بالمشاركة في لقاءات أطراف ليبية تعتزم باريس استضافتها، في الوقت الذي رجحت فيه إمكانية إجراء وزير الداخلية بحكومة "الوفاق" فتحي باشاغا زيارة عادية إلى العاصمة الفرنسية، الأسبوع المقبل.
وأوضحت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أنّ مستشاري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحثوا، خلال الفترات القريبة الماضية، إمكانية قبول ممثلي أطراف ليبية باستضافة باريس لبعض لقاءاتهم، على غرار اللقاءات التي جرت في المغرب وسويسرا أخيراً، لكن قادة طرابلس فوجئوا بدعوة فرنسية لعقد قمة على مستوى قادة ليبيا على غرار قمة مايو/ أيار 2018 من دون ترتيبات واضحة، ما حدا بالسراج لعدم القبول بالمشاركة في أي لقاءات من هذا النوع.
وكان موقع "إنتلجنس أونلاين" قد نقل، مساء أمس الإثنين، عن مصادره تأكيدها عزم باريس على استضافة قمة ليبية، الخميس المقبل، تجمع كلاً من اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ورئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" فايز السراج، برعاية أممية، مشيراً إلى أن القمة ستكون تتمة لاجتماعات بوزنيقة المغربية التي عُقدت، الأسبوع الماضي، بين ممثلي مجلسي النواب والدولة، قبل أن ينفي الناطق باسم رئيس المجلس الرئاسي غالب الزقلعي، الأنباء التي تداولها الموقع.
وقال الزقلعي، في تصريح لقناة فضائية ليبية، في وقت متأخر ليل البارحة، إنّ "الرئيس السراج لن يلتقي حفتر لا في المستقبل القريب ولا البعيد، مهما كان حجم الوساطات الدولية".
وأوضح أحد المصادر، وهو دبلوماسي ليبي رفيع، لـ"العربي الجديد"، أنّ المستشار الخاص للرئيس الفرنسي للشؤون الليبية باتريك دوريل، زار طرابلس، والتقى عدداً من مسؤولي الحكومة لتقديم مقترح بشأن إمكانية استضافة باريس للقاءات غير مباشرة بين ممثلي الأطراف الليبية، ضمن الجهود التي تقودها الأمم المتحدة في ليبيا.
وأشار إلى أنّ زيارات دوريل بدأت، منذ مارس/ آذار الماضي، عندما التقى حفتر في مقره العسكري شرقي البلاد، تزامناً مع بدء مراجعة باريس لسياستها في الملف الليبي، وسط محاولات لتقليص دعمها لحليفها حفتر، لكن ذات المصادر أشارت إلى أن النشاط الفرنسي أخيراً جاء على خلفية توتر العلاقات بين باريس وأنقرة؛ حليف حكومة "الوفاق"، ما جعل فرنسا تسرّع من خطواتها بالسعي لعقد قمة تجمع قادة ليبيين، من بينهم السراج.
وإثر بيان السراج بشأن وقف إطلاق النار، في أغسطس/ آب الماضي، قال المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي إنّ السراج تلقى اتصالاً هاتفياً من السفيرة الفرنسية لدى طرابلس بياتريس لوفرايي، نقلت خلاله دعوة من ماكرون إلى السراج، لـ"زيارة فرنسا خلال أقرب وقت ممكن".
وتعكس تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، لقناة فضائية تركية، أمس الإثنين، بشأن عدم انزعاج أنقرة من تعزيز فرنسا علاقاتها مع حكومة "الوفاق"، دراية تركيا بتكثيف باريس جهودها لإحداث مقاربة سياسية جديدة للأزمة الليبية، ومحاولة العودة لممارسة دور الوسيط، ولا سيما أنها نجحت في جمع قادة ليبيا الأربعة، رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، ورئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، في باريس، في مايو/ أيار 2018.
وبينما أجمعت معلومات المصادر على رفض قادة طرابلس لقاء حفتر بـ"بأي شكل من الأشكال وتحت أي ضغط"، رجحت إمكانية زيارة باشاغا لباريس، الأسبوع المقبل، من أجل دفع العلاقات الثنائية، من دون المشاركة في أي لقاء على علاقة بمشاورات ممثلي الأطراف الليبية التمهيدية لطاولة حوار سياسي شامل.
ويرجح الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق، إمكانية استمرار فرنسا في الظهور بمظهر المحايد في الملف الليبي، واقترابها أكثر من حكومة "الوفاق" بهدف التشويش على علاقة الأخيرة بتركيا في خضم الصراع الحاصل بين أنقرة وباريس في شرق المتوسط.
رجحت المصادر إمكانية زيارة باشاغا لباريس الأسبوع المقبل لدفع العلاقات الثنائية، من دون المشاركة في أي لقاء على علاقة بمشاورات ممثلي الأطراف الليبية التمهيدية لطاولة حوار سياسي شامل
وتصاعد التوتر بين باريس وأنقرة على خلفية مواقفهما في الملف الليبي، الذي أصبح مرتبطاً بالتصعيد في شرق المتوسط، ولا سيما أن تركيا دعمت قوات حكومة "الوفاق" ضد مليشيات حفتر المدعومة من عدة دول من بينها فرنسا، قبل أن تندلع أزمة بين البلدين عقب حادثة بين فرقاطات تركية وفرنسية في البحر المتوسط، منتصف يونيو/ حزيران الماضي.
واتهم مسؤولون أتراك مرات عدة فرنسا بمفاقمة الصراع في ليبيا عبر دعمها لحفتر ومليشياته، في وقت تسعى فرنسا لإقناع الأوروبيين بفرض عقوبات على تركيا بسبب مواقفها في ليبيا وشرق المتوسط، متهمة إياها بـ"التدخل العسكري في ليبيا"، وهي الأزمة التي شكلت منطلقاً جديداً للسياسة الفرنسية التي تنحو باتجاه المهادنة مع حكومة "الوفاق"، بعد توتر العلاقات إثر أزمة صواريخ "غافلين" التي عثرت عليها قوات "الوفاق" في مدينة غريان، في يونيو/ حزيران من العام الماضي، واعترفت فرنسا بمسؤوليتها عن نقلها إلى ليبيا، بحسب البرق في حديثه لـ"العربي الجديد".
وعلى الرغم من محاولات فرنسا تغيير تعاطيها مع الملف الليبي، إلا أن البرق يقول إنّ "حكومة الوفاق تدرك جيداً أن تركيا حليفتها الاستراتيجية، ونتائج حلفها مكّنتها من قلب الموازين العسكرية والسياسية، فليس من الراجح أن يتجاوب السراج ووزراؤه مع المساعي الفرنسية".
ولا يبدو أنّ فرنسا لا تزال تراهن على حفتر كشريك أساسي في ليبيا، فمثلها مثل الكثير من حلفائه، اتجهوا لبناء علاقات من حكومة "الوفاق" آخرهم مصر، لكن الباحث السياسي الليبي زايد مؤمن يرى أن فرنسا لا تتحرك لوحدها في ليبيا للتشويش على العلاقة بين تركيا وحكومة "الوفاق"، فهي تستعين أيضاً بإيطاليا وألمانيا.
وبحسب معلومات مؤمن، فإنّ دوريل مستشار ماكرون، يعمل بشكل كثيف مع مستشارين سياسيين تابعين لحكومتي إيطاليا وألمانيا لإقناع الاطراف الليبية بعقد لقاءات في باريس مكمّلة للقاءات المغرب وسويسرا، في إطار البحث عن حلول سياسية برعاية الأمم المتحدة.
ويضيف مؤمن، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ باريس وحلفاءها يدركون أن الاتفاقات الموقعة بين أنقرة وطرابلس مكّنت الأولى من التوسع في شرق المتوسط، وبالتالي فإنّ باريس تعمل بشكل متوازٍ مع الضغوط التي تمارسها على الأوروبيين، من أجل بناء موقف موحد من تركيا في أكثر من موقع، وليبيا على رأس ذلك.
وفي الوقت الذي يقلّل فيه مؤمن من أهمية أنباء موقع "إنتلجنس أونلاين"، "التي لا يسندها حتى الآن أي تصريح رسمي من الجانب الفرنسي"، وفق قوله، يرى أن زيادة وتيرة النشاط الفرنسي في الملف الليبي جاءت بعد بدء مشاورات فرنسية روسية بشأن هذا الملف، الجمعة الماضي، معتبراً أنه تقارب يؤشر لمناورات سياسية جديدة من جانب فرنسا وروسيا في الملف الليبي، "قد تشكل عرقلة حقيقية أمام استمرار جهود الأمم المتحدة الحالية بدعم أميركي، لحث أطراف النزاع في ليبيا على العمل أكثر لتقريب وجهات النظر، للوصول سريعاً إلى طاولة حوار سياسي".