رعب في بغداد وديالى بعد انتشار "أهل الحق"

15 يونيو 2014
شوارع بغداد صارت أشبه بثكنة عسكرية (getty)
+ الخط -

 

شوارع مقفرة خالية من أهلها، انتشار ميليشيات عصائب "أهل الحق" الشيعية، ارتفاع أسعار المواد الغذائية بعد الاقبال المتزايد على شراء الخبز والحليب والشاي والسكر والأرز ومواد الغسيل، بالإضافة الى نذر أزمة وقود وشيكة. هكذا أصبح الوضع في العاصمة العراقية بغداد، التي تحولت الى ثكنة عسكرية، بعد نجاح مسلحي العشائر في السيطرة على مدن الموصل وبيجي وتكريت وغيرها من المحافظات العراقية.

غير بعيد عن بغداد، وفي محافظة ديالى، التي تبعد عن العاصمة  57 كم، تكرر الوضع السابق، حيث انتشرت "سيطرات" كمائن ميليشيات "عصائب أهل الحق" الشيعية، التي تستوقف من يحاولون النزوح لسؤالهم عن وجهتهم، مما أثار ذعر الأهالي السنـّة، الذين يشكلون غالبية ساكني المنطقة، بينما تمنع كمائن الجيش مرور النازحين في عدة مناطق بعد تصاعد الاشتباكات.

"العربي الجديد" تجول في شوارع بغداد، وتنقل مع نازحي ديالى، لنقل صورة الوضع الحالي في التحقيق التالي...

شوارع بغداد الخالية

"المسلحون ممن يرتدون الزي المدني، الذي لا يدل على هويتهم، يقفون بصحبة قوات الجيش "، تقول خالدة، وهي من قاطني بغداد، وتضيف " العراقيون التزموا منازلهم ولم يتوجهوا إلى أعمالهم المعتادة، بعد أنباء عن نية مسلحي العشائر اقتحام العاصمة العراقية، الأمر الذي دفع بالحكومة العراقية الى فرض حظر للتجوال، بمصاحبة انتشار مكثف للقوات الأمنية، والاستعانة بالميليشيات، لسد النقص الحاصل في الجيش، بعد  هروب عدد من الجنود إثر تزايد الاشتباكات ".

"العربي الجديد " قام بجولة في شوارع بغداد، تبين منها أن شوارع العاصمة العراقية صارت أشبه بثكنة عسكرية، حيث تتوزع  قوات كبيرة من الجيش، يصاحبها متطوعو ميليشيات عصائب أهل الحق، ممن شكلوا كمائن على المناطق الحيوية التي تحميها، وعربات عسكرية ترابط أمام مقار الوزارات والدوائر الرسمية الحكومية. 

الحركة المعتادة في بغداد، خاصة في أوقات الذروة الصباحية، غابت في حين بدأت نذر ظهور أزمات جديدة بعد إغلاق عدد من محطات الوقود والغاز، وإقفال المحال التجارية الكبيرة، كما اعتلى القناصة أسطح البنايات  المحيطة بجامع الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، في منطقة الأعظمية،  ذات الأغلبية السنية، وانتشرت السيطرات " الكمائن " الوهمية من قبل الميليشيات الشيعية،  في بعض الأماكن الحيوية فيما قامت ميليشيا عصائب أهل الحق باستعراض عسكري في شارع فلسطين، في قلب بغداد، مدججة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقاذفات.

"نخشى من الانتقام، الذي قد تتعرض له مناطقنا، سواء من قبل الجيش الحكومي أو الميليشيات الشيعية في حال تواصل القتال " يقول أبو محمد، أحد سكان بغداد، الذي يؤكد أنه سيتجه بعائلته إلى أماكن أكثر أمنا.

أمام أﺑﻮاب ﻣﻌﺴﻜﺮ ﻣﻄﺎر اﻟﻤﺜﻨﻰ، وﺳﻂ ﺑﻐﺪاد، يتوافد المئات من اﻟﺸﺒﺎب ﻣﻨﺬ أرﺑﻌﺔ أﻳﺎم ﻟﻠﺘﻄﻮع في ﺻﻔﻮف اﻟﺠﯿﺶ والأجهزة الأﻣﻨﯿﺔ .

" لم أنتظر فتح باب التطوع في محافظتي  لرغبتي الشديدة في محاربة تنظيمات القاعدة "، يقول الشاب حسين من محافظة بابل، والذي أبدى استعداده للانضمام الى صفوف الجيش العراقي، والدفاع عن وطنه، ضد التنظيمات الارهابية، حتى وإن كان ذلك من دون راتب، على حد قوله.

أما الشاب عماد صباح من محافظة الديوانية، فقال لــ" العربي الجديد ": "أقف منذ الساعة الخامسة صباحا في انتظار تسليم ملف أوراقي الشخصية، للتطوع في صفوف الأجهزة الأمنية والالتحاق بالجيش، للقضاء على عصابات داعش الإرهابية".

وأضاف أن تهديد إرهاب داعش لا يقتصر على جزء من العراق، أو فئة من أبناء الشعب، مبينا ان كل الاطياف والمذاهب والقوميات مستهدفة من قبل العناصر التكفيرية، التي تحاول أن تصل الى بقية المحافظات بشرورها وجرائمها البشعة ضد الأبرياء.

أما عمر عبدالقادر، فيرى أن الحكومة الحالية تعد المتسببة في تفجير الثورة، بسبب التهميش، الذي يتعرض له السُّنـّة، والاعتقالات العشوائية، والقتل على الهوية، فضلا عن استباحة دماء أهل السنة، وذلك من خلال الميليشيات الطائفية المدعومة من إيران.

وأضاف: "نشعر بأننا مواطنون من الدرجة الثانية. كل هذه العوامل أدت الى تفجير ثورة ضد الظلم المتزايد".

ترقب الأسوأ

"الترقب، الذي  تعيشه العاصمة بغداد، مردُّه الخشية مما ستؤول اليه الأوضاع بعد تقدم مسلحي العشائر اليها "، يقول الضابط السابق في الجيش العراقي، أحمد عدنان العلي، مضيفا أن الاشاعات تتصاعد بشكل مرعب، بينما أصبح كل تصرُّف من الحكومة أو الميليشيات قابل للتأويل والتفسير، بعد انتشار الأنباء عن نية ايران إرسال الحرس الثوري، وهو ما قد يفجر معركة كبيرة في المدينة وفي المنطقة المحيطة بها  ".

"الدكان الذي أمتلكه شهد إقبالا كبيرا على شراء المواد الغذائية خلال اليومين الماضيين "، يقول ناصر السيد، صاحب محل السيد للمواد الغذائية في الكرادة، متابعا أن العديد من العراقيين تسوقوا مواد غذائية بكميات كبيرة، خشية أية طوارئ قد تحصل بسبب ما يجري في المدن العراقية الأخرى.

أوضح أن  الخبز والحليب والشاي والسكر والأرزّ، بالإضافة إلى مواد الغسيل، كانت أبرز المواد، التي سجلت طلبا كبيرا من قبل سكان بغداد، لافتا الى أن جميع المحال التجارية المفتوحة تعاني من إغلاق العديد من الأسواق التجارية الكبرى، التي تزودهم بما يحتاجونه من بضائع.

السيد قال إنه ذهب اليوم لشراء مواد غذائية من "الشورجة"، أكبر أسواق الجملة في بغداد، غير انه فوجئ بأن اغلب المحال مغلقة.

وتوقع السيد حدوث أزمة في حال لم تفتح المحال الكبرى أبوابها للتسوق، خاصة و أن الأوضاع تتسارع من دون أن تنجح الحكومة، حتى الآن، في طمأنة أهالي العاصمة.

أما عن التزود بالوقود، فيقول مدير محطة النهرين،  باسم عدنان، أن سيطرة المسلحين على مصفاة (بيجي )، إحدى اكبر المصافي النفطية في العراق، أدت إلى أزمة في البنزين، الذي لا يستخدمه العراقيون فقط في التنقل، لكن كذلك في تشغيل المولدات الكهربائية.

ديالى

في محافظة ديالى ذات الأغلبية السنية، والتي تقع شمال شرق بغداد، ولها شريط حدودي مع ايران، يتكرر الامر حيث بدأ الأهالي في النزوح بعد المعارك في جلولاء بين المسلحين وقوات الجيش، بالإضافة الى انتشار ميليشيات "عصائب اهل الحق" التي يصفها الأهالي بالطائفية. 

عائلة أبو محمد حملت ما تيسر من أمتعتها ونزحت إلى قضاء كلار، حيث قالت لــ" العربي الجديد" في طريقها، إن الوضع في ديالى غير مطمئن، كما أن الطرق التي تسلكها العوائل النازحة غير آمنة، بسبب انتشار ميليشيات عصائب أهل الحق عليها وهو ما دفع العوائل إلى النزوح بسرعة قبل وقوع ما يمنعهم من الخروج، أو محاصرتهم داخل المدينة.

ورصد " العربي الجديد" قيام العوائل بالتزود بالمواد الغذائية والمؤن قبل نزوحهم، فيما لم يتمكن أغلبهم من الحصول على البنزين، بعد إغلاق بعض المحطات، مما اضطرهم إلى شرائه من السوق السوداء.

ضابط في الجيش العراقي السابق، من أهالي ديالى، فضّـل  تسميته بأبو محمد ، أوضح لـ" العربي الجديد " أن ديالى تعيش أزمات متواصلة من قبل تصاعد الاحداث الحالية، حيث يسيطر عليها عناصر موالية للحكومة العراقية، خاصة الاجهزة الامنية والجيش والشرطة، بالإضافة الى أن أغلب الموظفين في دوائر الدولة ولاؤهم لحكومة بغداد، بينما شهدت المحافظة في السابق تهجيراً وقتلا ً ممنهجاً واعتقالات أدت الى تهجير العديد من العوائل السّنـّية، ونزوحها الى المدن المجاورة، وعلى الأخص اقليم كردستان العراق ".

وتوقع أن المشهد في ديالى لن يخلو من الدم، بسبب انتشار ميليشيا عصائب أهل الحق في المدينة، بعد الانفجار الذي حصل في أحد مراكز التطوع الخاص بهم في قضاء المقدادية.

وكانت ميليشيا عصائب أهل الحق قد انتشرت في قضاء بعقوبة 57 كم شمال شرق بغداد، وقال طلاب لـ" العربي الجديد" إن ميليشيا العصائب انتشرت في الطريق بين بعقوبة والمقدادية، وكان أفرادها يستوقفون السيارات ويسألون مَنْ فيها: من اين انتم؟ والى اين تذهبون؟ مما نشر الخوف والذعر بين طلاب الجامعة العائدين من الامتحانات.

ويرى أبو زهراء من منطقة جلولاء أن وضع ديالى بات خطيراً، معللا ذلك بالأهمية الجغرافية للمحافظة من ناحية قربها من بغداد وإيران وإقليم كردستان العراق، حيث عمدت قوات البيشمركة إلى السيطرة على مناطق متنازع عليها كناحية جلولاء والسعدية وقضاء خانقين.