طلقات نارية تنطلق ومطاردة لحليقي الرؤوس بأعداد كبيرة، تصدم حتى السائحين وهم يتحدثون عن هذا المشهد المروع، سيارات شرطة بودابست لا تتوقف طيلة الليل وحتى صباح الجمعة بأبواق وإشارات صاخبة.
آلاف اللاجئين كانوا هدفا أيضا لبعض هذه الهجمات، في حين ينتفض اللاجئون، الذين ليسوا جميعا من السوريين رعبا، خاصة هؤلاء الذين لا يعرفون سوى محيط محطة قطارات بودابست المركزية، وهم وعوائلهم (كبارا وصغارا) تفترش كل مكان يمكن أن يخطر ببال... من الحدائق المحيطة إلى درج المحطة وحتى مدخلها.
رائحة المكان تشير إلى كارثة كبيرة لآلاف البشر هؤلاء، الذين علقوا بقرارات أمنية وسياسية لحكومة رئيس الوزراء المجري اوربان فيكتور وتحالفه اليميني فيديس.
الرعب بادٍ على وجوه هؤلاء اللاجئين، وهم يتحدثون عن ظروف تصل بهم إلى إطلاق تسميات وأوصاف تصف ما يجري لهم بأنه "اغتيال نفسي واعتقال جماعي"، يتحدث هؤلاء عما يجري لهم بداية من الحدود مع صربيا في "روسكا" ومنذ لحظة دخولهم الأراضي المجرية بكثير من الألم، ويشيرون إلى التعامل الخشن جدا من قبل الأمن والسلطات المجرية، وآخرها فجر الجمعة بإطلاق قنابل مسيلة للدموع إلى خلف الأسلاك التي تفصلهم عن الشرطة وهم يردون برمي الحجارة.
اقرأ أيضا: شبكات تهريب اللاجئين السوريين..4 طرق محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا
ظهر الجمعة، حضرت قنوات أجنبية، ومعظمها ألمانية، إلى محطة بودابست ويلقي أكثر من سوري كلمة وسط هؤلاء اللاجئين، ويحمل على الأكتاف ليجوب بهم هبوطا وصعودا، داعيا إياهم إلى "المسير نحو الحدود النمساوية" وصولا إلى ألمانيا.
بضعة مئات استجابوا لتلك الدعوة، بينما بقي الآلاف مترددين "من العواقب التي تكون دائما بالعنف"، كما يقول أبو علي؛ وهو لاجئ سوري من ريف دمشق متواجد في المحطة منذ أسبوعين تقريبا، وجرب في قطار قبل يومين حيث "استخدم العنف معنا"، وحجز قطارين وهرب أبو علي عائدا إلى المحطة من على بعد ٣٠ كيلومترا، حيث تم توقيف القطارين وأحاطتهما قوات الأمن.
هؤلاء الذين اتخذوا المسير كخطوة أخيرة تعبر عن اليأس والإحباط من تصرفات السلطات المجرية معهم، يستحثون الخطى بسبب حديث السلطات في بودابست مرارا وتكرارا عن أنها تريدهم "في معسكرات تجميع لاجئين" وتلك المعسكرات هي ما يخيفهم.
صباح الجمعة، طلبت السلطات من هؤلاء إخلاء المحطة ومحيطها، فما كان من بعضهم إلا الاستجابة لدعوة المسير على الأقدام.
ليس بالتأكيد من بين هؤلاء من حضر حديثا، ليلة الخميس وفجر الجمعة، من مناطق حدودية مع صربيا، فهؤلاء سؤالهم القلق: "وماذا بعد أن وصلنا واكتشفنا بأنه لا قطارات كما قيل لنا، ولا مكان نأوي إليه سوى العراء"، كما وصفت لاجئة سورية من منطقة الحجر الأسود جنوب العاصمة السورية دمشق.
ورغم أن هؤلاء المئات حاولوا الوصول إلى الطريق السريع (وتقدرهم الشرطة بـ 300 شخص) من مجموع آلاف تعج بهم المحطة ومحيطها، إلا أن "الدعوة لوسائل الإعلام لتسير أمامنا ومعنا في مسيرتنا" كما قال لاجئ سوري يخطب في الجموع، لم تكن كما تمناها حيث تقف الشرطة الهنغارية مستنفرة لمنع متابعة مسيرهم باتجاه الحدود النمساوية.
اقرأ أيضا: آلاف اللاجئين يصلون النمسا من المجر
في بيشكا على بعد حوالي 40 كيلومترا خارج بودابست، في الطريق نحو النمسا كما يوضح هؤلاء اللاجئون، يبدو الوضع أكثر مأساوية مما يوصف، فهناك أكثر من 500 شخص عالقين منذ الخميس، حيث اعتقد هؤلاء أن القطارين سيقلان اللاجئين نحو النمسا.
ما زالت محاولات الشرطة هي التركيز على إفراغ القطارين، بينما يرفض اللاجئون ذلك رغم قول السلطات إنها ستنقلهم إلى معسكرات استقبال.
تعامل السلطات المجرية مع هؤلاء اللاجئين بهذا الشكل الذي يعتبره كثيرون غير لائق، ترده تلك السلطات إلى تمسك بـ"قوانين الاتحاد الأوروبي لتسجيل اللاجئين وأخذ بصماتهم وفق اتفاقية دبلن".
ولردع هؤلاء الذين يحاولون عبور السياج الذي أقامته السلطات الهنغارية على حدودها مع صربيا، أصدرت ليلة أمس قرارا بحبس كل من يقتحم أو يخرب ذلك السياج، بينما يقول اللاجئون الذين التقى بهم "العربي الجديد" إنه "لا أحد أمامه من سبيل بعد أن خسر حتى المدخرات التي أمنها للهروب"، حيث يشير هؤلاء إلى كيفية تصرف المهربين معهم.
وإضافة إلى ذلك يقول أبو محمود: "معظم الذين ينتظرون في محيط محطة بودابست اشتروا أيضا بطاقات للقطار، وبذلك لم يبق لبعض العوائل حتى ما يكفي لشراء الطعام مع عدم وجود دعم حكومي رسمي لهؤلاء اللاجئين خارج المعسكرات"، رغم أن قيمة ما يدفع في المعسكرات "لا تكفي لشيء، فحوالي 20 يورو أسبوعيا، لمن يقبل أن يكون مسجلا في المعسكرات التي يمنع مغادرتها".
ولتزيد مأساة هؤلاء يخرج لهم من يخبرهم "قرر البرلمان الهنغاري، سجن كل من يخرب السياج الحدودي"، وهذا يعني أن من دخل ولم يجر تسجيله وأخذ بصمته "يعتبر مطلوبا للعدالة".