ارتفعت أعداد المختفين قسراً في سورية، في ظل سياسة اعتقال ممنهجة للنظام منذ انطلاق الثورة عام 2011. وقد أشارت منظمة العفو الدولية عدة مرات إلى أنّ الإخفاء القسري يعتمده النظام كجزء من عمليات الاعتداء المنظم على المدنيين، في إشارة إلى أنّ تلك العمليات مخطط لها، ما يجعلها في عداد الجرائم ضد الإنسانية. كثير من عمليات الاعتقال هذه يجري عند الحواجز، فتكون الإشارة الأخيرة إلى المعتقل قبل اختفائه.
يتحدث سامر (33 عاماً) عن أحد أقاربه من ريف حمص، وهو طالب في كلية التربية بجامعة "البعث" كان قد اختفى عند أحد حواجز النظام، بالقرب من الجامعة، عام 2013. يقول لـ"العربي الجديد": "بعد ساعات من فقدان الاتصال به، تواصلنا مع زملائه في الجامعة ليخبرونا أنّه ذهب إلى أحد أصدقائه في حي كرم الشامي، وبعد متابعة الموضوع اكتشفنا أنّه اعتقل عند حاجز لقوات النظام على الدوّار بالقرب من مدخل الجامعة. بحسب معلوماتنا، لم يكن متورطاً بعمليات ضد النظام مطلقاً. وعند محاولتنا الاستفسار عنه كان الرد الدائم من أيّ فرع أمني أنّ شخصاً بهذا الاسم لم يمرّ عليهم مطلقاً". يتابع سامر: "حاولنا مراراً السؤال عنه، ودفعنا مبالغ مالية كبيرة لمعرفة مكانه، لكن من دون جدوى. وبعد نحو عام ونصف العام على اختفائه، استطاعت عائلته أن تعرف عن طريق أحد قادة مليشيا الدفاع الوطني (التابعة للنظام) أنّه مختفٍ في معتقل دير شميل بريف حماة. ولم نتمكن من معرفة ما إذا كان حياً أم قتل تحت التعذيب. وحتى اليوم لا نعرف مصيره، ولم تصل أيّ معلومات جديدة عنه".
من جهته، لدى عمران (42 عاماً) شقيق مختفٍ منذ عام 2014. يقول لـ"العربي الجديد": "في البداية لم نكن نعلم أين هو، حتى وصلتنا معلومة أنّ حاجزاً لقوات النظام اعتقله على الطريق الدولي الواصل بين العاصمة دمشق وحمص، وهنا بدأنا بالتحرك لمعرفة أيّ فرع أمني مسؤول عن اعتقاله، لنكتشف في نهاية عام 2015 أنّ فرع الاستخبارات الجوية اعتقله". يتابع: "ما تسبب بالصدمة لنا معلومة وصلتنا من أحد المفرج عنهم أنّه قتل تحت التعذيب. وفي ظل سعينا للحصول على دليل يثبت صحة المعلومة وباستخدام المال، توصلنا إلى أنّه ما زال على قيد الحياة، ونقل على الأرجح إلى سجن صيدنايا".
يوضح عمران أنّ القوائم الأخيرة للمعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب ورد فيها اسم شقيقه إبراهيم لتكون كارثة على العائلة: "لكن، عندما أردنا استصدار شهادة وفاة لم نستطع كونهم أعلمونا في دائرة النفوس أنّه ليس من ضمن قوائم الموتى، ما أعاد الأمل إلينا أنّ إبراهيم حي. وحتى اليوم نعيش على أمل معرفة أيّ شيء عنه ومعرفة مصيره، ولم يبقَ لدينا شيء من أملاكنا لبيعه والدفع لعناصر الأمن والاستخبارات. كلّ ما بقي لنا أن نناشد جميع المنظمات الحقوقية الدولية لمعرفة مصير ابراهيم والآلاف مثله، فأصعب ما يمرّ به إنسان أن يختفي أحد أحبابه وأن تفارق الأم ابنها ولا تعرف إن كان حياً أو ميتاً".
في آخر إحصائية لها، قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إنّ ما لا يقل عن 95.056 شخصاً ما زالوا قيد الاختفاء القسري على يد الأطراف الرئيسية للقتال في سورية في الفترة من مارس/ آذار 2011 حتى أغسطس/ آب 2018. وتتركز الأعداد الأكبر من المختفين، بحسب تقرير الشبكة، في معتقلات وسجون النظام بنسبة أكثر من 90 في المائة، يليها تنظيم "داعش" ثم هيئة تحرير الشام، ومن بعدها فصائل المعارضة، ومن بعدها قوات سورية الديمقراطية (قسد).
يقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، لـ"العربي الجديد": "أغلب المعتقلين يصبحون مختفين قسراً لاحقاً. ومهما كانت الجريمة أو حتى كان السبب حمل السلاح في وجه النظام، فإنّ الإخفاء القسري محظور دولياً. يجب أن يكشف النظام عن مصير المختفين قسراً ويعلن عن أماكنهم وحالتهم ويسمح للمنظمات الدولية ولأهلهم بزيارتهم، وبتوكيل محامين لهم. معظم الاتهامات والاعتقالات عشوائية ولا أساس لها، فهناك قسم من المعارضة العسكرية والناشطين المعارضين، لكنّ أغلب المختفين قسراً هم أناس عاديون ليست لديهم نشاطات واضحة".
وحول تفسير رفض النظام الإدلاء بأيّ معلومات عن أي شخص مختفٍ قسراً لدى أيّ فرع أمني تابع له، يقول عبد الغني: "يتعمد النظام ألاّ يقدم أيّ معلومة عن المختفين قسراً حتى يبقي الأهالي في حالة خوف. الأسرة بكاملها تقلق، وتزداد المأساة إذا كان المختفي متزوجاً ولديه أولاد. وهو ما يختلف عن مصير القتلى الذين تعرف أسرهم مصيرهم وتتعامل على هذا الأساس. هدف النظام هو إبقاء العائلات في حالة خوف وتفكك، لذلك يعمد إلى إخفاء هذا العدد الهائل من الأشخاص". ويشير عبد الغني إلى نقطة مهمة، وهي أنّ النظام لم يسلّم جثث من قتل تحت التعذيب وإن ظهرت أسماؤهم في السجل المدني، وهو ما يبقيهم في إطار المختفين قسراً بحسب القانون الدولي.