رعاية المسنين تربك هولندا

14 مارس 2017
لا يقبل كثيرون هذا العمل (العربي الجديد)
+ الخط -
تشكو هولندا من نقص كبير في قطاعي الخدمات الصحية ورعاية كبار السن. الأخير تقدّمه السياسات الحكومية والمجتمعية والصحية على رأس جدول التزاماتها. وإلى جانب الرعاية المقدمة لأطفال البلاد، فإنّ خدمة ورعاية كبار السن الصحية والاقتصادية تعدّ من مجالات التنافس والتسابق السياسي للأحزاب في البلاد، وتخصص لها سنويا مليارات اليورو في شكل رعاية صحية ونفسية واقتصادية.

تنص القوانين على أنّ من حقّ كلّ من يتجاوز 55 عاماً، في حال لم يختر البقاء في منزله، الانتقال للعيش في مسكن يتناسب مع عمره ومع شروطه الصحية ولياقته الجسدية، وذلك في مبنى يضم عشرات الشقق في كلّ طابق، مجهز لتسهيل حركة وانتقال السكان إلى شققهم ومغادرتها، بما يتناسب مع تقدمهم في السنّ أو حتى مرضهم أو إعاقتهم.

لكنّ النقص حاصل في هذا القطاع، إذ تحتاج هولندا خلال العام الجاري إلى ما بين 9 و10 آلاف وظيفة في رعاية المسنّين معظمها يتعلق بالممرضات المؤهلات. تظهر البيانات الحكومية أنّ هذا القطاع يعاني من نقص بنسبة تفوق 70 في المائة من الممرضات المؤهلات، وطواقم التمريض. وهو ما يؤدي إلى ضعف في تقديم الخدمات للمسنين سواء في منازلهم، أو في دور الرعاية والمساكن المخصصة لهم. وغالباً ما تتولى الممرضات المتخرجات حديثاً من مدارس التمريض المتخصصة هذه الخدمات التي تشمل التغذية والاستحمام وتقديم الأدوية في مواعيدها وغير ذلك.

بهدف تشجيع الإقبال على العمل في رعاية المسنين، عرضت المؤسسات والشركات الطبية رواتب أكبر وحوافز للعمال الحاليين ولاستقطاب جدد أيضاً. كذلك، أعلنت عن نيتها توفير دورات تدريبية لمتطوعين ريثما تُملأ الشواغر، وأشارت إلى احتمال استقدام أجانب إذا لم يجرِ التجاوب من قبل ممرضات البلاد وحتى ممرضيها. المؤسسات الكبرى في هولندا العاملة في قطاع رعاية المسنين دعت السياسيين إلى التدخل من أجل إيجاد حلول، وأشارت إلى حاجة البلاد على المدى المتوسط لنحو 70 ألف ممرضة، وإلى أنّ كلفة إيجاد عاملين وتقديم الخدمة التي يستحقها كبار السن قد تصل إلى حدود ملياري يورو.

يختار بعض المسنّين المنزل (العربي الجديد) 


بدورها، أعلنت الحكومة عن تخصيصها 100 مليون يورو إضافية للميزانية الخاصة برعاية كبار السن خلال السنة المالية الحالية، ووعدت بحلول ونقاشات معمقة في أعقاب إجراء الانتخابات النيابية (المقررة غداً الأربعاء)، وفي جلسات البرلمان الجديد.

يختار كثير من كبار السن في هولندا قضاء ما تبقّى من حياتهم في منازلهم الخاصة، وتلقي الرعاية إذا ما احتاجوها هناك. وبذلك، تزور إحدى الممرضات أو المشرفة الصحية المسنين لتقديم الخدمة والرعاية. ونظراً إلى تقدم بعض المرضى كثيراً في العمر، ومشاكل الذاكرة والإدراك لديهم، وما تحتاجه رعايتهم من جهد وتركيز، وقوة تحمّل، يتجنب كثير من خريجي معاهد ومدارس وكليات التمريض ذلك الضغط، فيمتنعون عن العمل في هذا القطاع. وإذا ما كانوا مضطرين إلى ذلك، فلا يزيد عملهم عن فترة قصيرة ريثما يؤمّنون عملاً آخر.

بعض الممرضات اشتكين من تعنيف لحق بهن أثناء القيام بأعمالهن، فبعض الأوضاع الصحية الحرجة لكبار السنّ بالترافق مع المشاكل في الذاكرة والإدراك يمكن أن تؤدي إلى مواقف غير متوقعة. هذا الواقع في حدّ ذاته يؤدي إلى تردد في قبول وظيفة رعاية المسنين، أو الاتجاه إليها، خصوصاً المسنّين الذين يقيمون في منازلهم. فهناك ينفلت الوضع أكثر من المباني المخصصة والتي تتميز بمساكن جماعية، وأنشطة اجتماعية، ولقاءات يومية بين المسنّين وفرق الخدمات والرعاية الصحية والمنزلية.

من جهتها، فتحت بعض البلديات التي استقبلت لاجئين، باب التطوع لهؤلاء في السنوات الماضية، خصوصاً من يتقنون اللغة الهولندية، وأخضعتهم إلى دورات تدريبية وتأهيلية. وبذلك، بات بعض اللاجئين يتولون نشاطات اجتماعية مرتبطة بالمسنّين برفقة مشرفين من منظمات أهلية. كذلك، اختارت بلديات أخرى أن تسكن عائلات شابة لجأت حديثاً إلى البلاد في مباني كبار السن، كنوع من الدمج والتواصل.

مع ذلك، تبدو تلك المبادرات متواضعة أمام الاستحقاق الذي يعتبره الهولنديون في مقدمة الاهتمام، فالجميع سيحال يوماً ما إلى التقاعد، وسيتقدم به العمر ويحتاج إلى رعاية ومتابعة صحية محترفة وعلمية. وهو ما تتضافر لأجله الجهود بهدف توفير رفاهية وأمان أكبر للمسنّين الذين عملوا بكدّ خلال سنوات الشباب من أجل اقتصاد بلادهم، وساهموا كدافعي ضرائب في تأمين تقاعدهم وشيخوختهم.