يرى الروائي الإيراني رضا أميرخاني، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن الرواية الإيرانية لم تشكل مدرسة خاصة تمكنها من البروز عالمياً، كما يشير إلى مشتركات حضارية كثيرة بين إيران والعرب، تعترضها على المستوى الثقافي حواجز أهمها سوق الكتاب.
■ باعتبارك أحد كتّابها، كيف ترى واقع الرواية في إيران اليوم؟
- أدب الرواية في إيران وفي العالم العربي، متأثر بنظيره في العالم، ولا يمكن اعتبار أننا استطعنا أن نؤسس لنموذج رواية خاص بنا. يوجد في إيران كتّاب معروفون بالحكايات والقصص القصيرة، كما تطوّر أدب التصوف فيها كثيراً، إلا أن الرواية ليست ظاهرة شرقية. يبلغ عمر الرواية في إيران قرابة القرن، وأخذت شكلها تدريجياً متأثرة بأدب الرواية في العالم وبتحولاته. أنتج الروائيون هنا نسخاً تشبه الروايات العالمية مواضيع وتركيبة، بعضها عظيم، ترك انطباعاً إيجابيا للغاية، لكنه متأثر بمدارس ثانية. بالتالي لا يمكن القول إن للرواية في إيران مدرسة خاصة، على عكس الشعر في الأدب الفارسي، متعدد المدارس والأساليب.
■ في ظلّ هذا الواقع، ما المواضيع التي تشغل الرواية الإيرانية الآن؟
- ينقسم أدب الرواية في إيران إلى مرحلتين: ما قبل وما بعد "الثورة الإسلامية". كانت الروايات خلال المرحلة الأولى، ذات طابع مثالي متأثر بأدب اليسار، كما انتشرت أعمال تأثرت بالأدب الأوروبي، الذي لم ينتقد النظام الحاكم. بعد الثورة، تغيرت الرواية قليلاً، ورغم استمرار تأثرها بمدارس الأدب العالمي وتحولاته، لم يعد بمقدورها تجاهل التحولات الحاصلة في إيران. انتهت قصص البرجوازية والرأسمالية، وركزت الروايات على حكايات المدن، وحاول معظم الكتّاب البحث عن الهوية الإيرانية في أعمالهم، متأثرين بواقع مجتمع محافظ، وتحوّل الدين الإسلامي ليصبح أساساً لكل شيء. هذه المرحلة أثرت في أسلوب الرواية الإيرانية، وهو تأثير لا يزال ملحوظاً إلى اليوم.
■ كيف ترى حركة ترجمة الروايات الإيرانية، ونقلها إلى العالم؟
- بالنسبة للروائيين الإيرانيين، تُعد الإنجليزية اللغة الأولى التي يجب ترجمة الأعمال إليها، كونها الأكثر انتشاراً. ورغم وجود رغبة في الترجمة، لكن الأمر لم يحدث بالشكل المطلوب، فحركة ترجمة الروايات الإيرانية إلى لغات ثانية ضعيفة، بسبب عدم وجود طلب كبير عليها. لا يوجد حتى اليوم، اسمٌ إيراني ينتظر القراء في العالم نشر روايته الجديدة. هناك بعض الروايات المترجمة في مكتبات الخارج، لكن لا المبيعات ولا الجودة تصل إلى المستوى المطلوب. قد يعود السبب إلى ضعف الدبلوماسية الإيرانية، أو عدم رغبة الآخرين في التعرف على إيران وأدبها عن قرب.
■ هل ينطبق نفس الشيء على الترجمة إلى العربية؟
- للأسف نعم، المعادلة وعكسها صحيحتان، فالقرّاء العرب لا يعرفون الكثير عن الرواية الإيرانية، ولا القراء الإيرانيون يعرفون الكثير عن الأدب العربي. إذا اشتهر الكاتب كثيراً، ونالت روايته جوائز عالمية، في هذه الحالة فقط، ينال الشهرة في بلدان ثانية، ويزيد الإقبال على ترجمة كتبه، وقراءتها. نشاط حركة الترجمة مشروط بوجود زبائن وقرّاء، ولا يوجد طلب في السوق العربية على الأعمال الإيرانية.
■ هل يعود السبب في رأيك، إلى الخلاف بين الطرفين في ساحات "ليست" ثقافية بالضرورة؟
- بين إيران والعرب تقاطعات ومشتركات حضارية كثيرة، لكن لا يمكن تجاوز واقع وجود حاجز يفصل فيما بيننا. هذا ما يمنع العرب من التعرف على الإيرانيين وثقافتهم عن قرب وبالعكس. ثم إن سوق الكتاب العربي والإيراني، على حد سواء، غير محكومة بقوانين صارمة، ولا يوجد أصلاً سوق اقتصادية مشتركة بيننا في هذا القطاع كذلك. فالعلاقات الثقافية تتطور أكثر في حال وجود قواعد يراعيها الطرفان. نحن نعاني نقصاً في الشفافية، وفي مراعاة حقوق الطبع والنشر، فنجد كتباً تترجم وتنشر من دون الرجوع لأصحابها، وهذا يساهم في تقليص التعاون الحقيقي والمثمر ويجعله في الحد الأدنى.
■ روايتك "أناهُ" قُدّمت للقارئ العربي منذ فترة وجيزة. العمل لاقى ترحيباً إيرانياً، وقدّمت فيه تعريفاً للعشق العرفاني، ولمفاهيم قد تكون غريبة على المجتمع العربي. برأيك، لماذا اختير هذا العنوان بالذات، ليترجم إلى العربية؟
- بدأت في كتابة "أناهُ" قبل 20 عاماً، ونشرتها في إيران قبل 15 عاماً. تعمدت أن أركز فيها على الهوية الإيرانية، ومطالب الإيرانيين في ذلك الوقت. فزمن الرواية يمتد عبر ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ويعيش أبطالها في ما بتنا نسميه اليوم طهران القديمة، هذا الزمن هو عصر بداية الحداثة في إيران، وقد لاقت نجاحاً باهراً. صراحةً، لم أكن من اختار ترجمتها إلى العربية، بل المترجم من اختارها، ربما لكونها مشهورة، أو لأنها حققت مبيعات عالية. وقد يكون سبب اختيارها كذلك، لجودتها ومكانتها في المشهد الأدبي الإيراني المعاصر.
■ كتبت رواية "جانستان كابلستان" عن أفغانستان، كم يبلغ ارتباط الرواية الإيرانية بمثيلتها الأفغانية؟
- إيران وأفغانستان جارتان وبينهما تقاطعات عديدة، أهمها اللغة الفارسية، والشعوب التي تتحدث وتشترك في هذه اللغة أقل عدداً وانتشاراً ممن يتحدثون العربية، على سبيل المثال. أنا كروائي قررت التحرّك يوماً ما نحو أفغانستان، وأنا على دراية بأنها بلد منسي كان مركزاً للحضارة يوما ما. فالإيرانيون لا يعرفون الكثير عن أفغانستان، وأستطيع القول إن الرواية حاولت تغيير ذلك، وحققت نجاحاً لم أكن أتوقعه. الرواية كانت موجّهة للإيرانيين، لكنني فوجئت بوجود جيل كامل من اللاجئين الأفغان المولودين في إيران، ممن لم يزوروا أو يروا بلدهم، قدّمت لهم الرواية فرصة للتعرف على بلدهم الأم. ففي إيران، يوجد ما يزيد عن 3 ملايين لاجئ أفغاني، لم أكن أتخيل أن يكون بعضهم بعيدين عن واقع بلدهم. نوافذ إيران مفتوحة في اتجاه الغرب، ما يمنعنا من معرفة أفغانستان العالم العربي، وهذا ينطبق على الآخرين أيضا، ومدى معرفتهم بالأدب الإيراني. فإذا لم تُعرف الرواية أو لم تتحول إلى إنجاز عالمي ونالت جوائز، لن يبحث عنها كثيرون.
■ الرواية والسينما في إيران اليوم، تتقاطعان في التركيز على نفس الموضوعات الاجتماعية، فهل تستطيعان التأثير بنفس القدر؟
- صناعة السينما تأخذ طابعاً تجارياً أحياناً، كما أن لها شعبية كبيرة، وقدرة على الانتشار بشكل أسهل من الأعمال الأدبية. فعدد دور نشر الكتب في إيران، أقل من عدد دور السينما، رغم أنني لا أعتبر وضع القطاعين مُرضياً. صناعة النشر يجب أن تكبر أكثر، والكِتاب تأثر بطبيعة الحال بالوضع الاقتصادي، الذي قلّل عدد القراء. مع ذلك، الإيرانيون يقرؤون جيداً، خاصة الروايات. كما أن الصناعة الأدبية لا يجب أن تتحول إلى صناعة حكومية، فخيار أن تلقى دعماً حكومياً لن يحسّن الأمور.