رسميّة التي خسرت أزواجها الثلاثة

21 فبراير 2016
ما زالت مجبرة على العمل (العربي الجديد)
+ الخط -

تركت عائلتها فلسطين قبل أن تولد، وكان ذلك خياراً صعباً. في لبنان، عاشت الأسرة في مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا (جنوب لبنان). وبعد عام على النكبة، ولدت رسمية خليل رستم. حتى اليوم، ما زالت تقيم في المخيم، وقد بلغت 66 عاماً. تتحدر من بلدة مجد الكروم (قضاء صفد) لكنها كبرت بعيداً عن فلسطين، وتزوجت في البلد الجديد الذي وجدت نفسها فيه، وإن كانت تنتمي إلى مكان آخر. شهدت انطلاقة الثورة الفلسطينية، واستشهد زوجها من جراء القصف الإسرائيلي.

في ذلك الوقت، كان ابنها يبلغ من العمر ثلاثة أشهر، ولم يعرف والده. تزوجت للمرة الثانية من رجل كان يعمل في شركة الكهرباء في منطقة وادي الزينة (جبل لبنان). لكنه توفي أيضاً في سبعينيات القرن الماضي. هكذا، وجدت نفسها مسؤولة عن تربية ثلاثة أطفال.

بعد ذلك، تزوجت من رجل ثالث وأنجبت ولدَين، إلا أن زوجها هذا أيضاً توفي بعد تعرّضه لحادث سير. في تلك الفترة، كانت قد تركت العمل وتفرّغت لتربية أولادها. لكن بعد وفاته، وجدت نفسها مضطرة إلى العودة إلى العمل مجدداً لتأمين مصاريف عائلتها. واليوم، تعمل في مكتب محام في مدينة صيدا، تنظفه وترتبه وتقدم القهوة للزبائن والضيوف. وتشير رستم إلى أن "الراتب لم يكن يكفيني، ما اضطرني إلى العمل في فترة ما بعد الظهر في تنظيف البيوت، حتى أستطيع تأمين مستلزمات الحياة الضرورية".

لا تخجل رستم من الإقرار بأنها لا تعرف القراءة والكتابة، ولأنها كذلك عملت في مجال التنظيف. تضيف: "لو أنني تمكنت من الدراسة، لعملت في مهنة تقيني التعب والمرارة"، لافتة إلى أن عملها "متعب جداً". وتقول إن الأمر "كان أكثر سهولة حين كانت شابة، لكنه صعب في سنها هذه".

لا تنتهي مآسي رستم هنا. ابنها البكر متزوج وهو أب لخمسة أولاد، تعرّض لحادث وبات غير قادر على السير بشكل سليم وفقد عمله. أما حال ابنها الآخر فليست أفضل بكثير. تخبر أنه متزوج أيضاً ولديه ثلاثة أولاد، إلا أنه يقضي عقوبة السجن اليوم بسبب اتهامه بأعمال إرهابية. وكان قد غادر لبنان لمدة عام ونصف العام، ثم عاد نتيجة إلحاح أصدقائه، وسلّم نفسه.

وتلفت رستم إلى أن "أكثر من خمس سنوات مضت على سجنه، ما يعني أنه تجاوز فترة محكوميته". تضيف: "وعلى الرغم من توكيلي محامية ودفع مبلغ كبير لها للمساعدة في حلّ قضيته، إلا أنها لم تفعل شيئاً. وما زال ابني في السجن". في الوقت الحالي، تبحث عن محام آخر لحل قضية ابنها العالقة.

إلى ذلك، تتحدث عن حياتها في المخيم، مشيرة إلى أنها بائسة. وتسأل: "كيف يتوقع الناس من امرأة مثلي تعبت في الحياة وهي تربي أولادها أن تعيش؟ كانت ظروفي صعبة جداً. لم يكن يتجاوز عمر ابني الصغير ثلاثة أشهر حين توفي والده، وكنت المسؤولة الوحيدة عن إعالته". تضيف: "تعذبت كثيراً، وصرت أعمل في تنظيف البيوت وأدراج المباني. وحتى اليوم، ما زلت أقوم بالأعمال نفسها لأؤمن مصاريف أحفادي، بالإضافة إلى مصاريف السجن والمحامي، علماً أنها مكلفة جداً". وتلفت إلى أنها تستقل عادة حافلة خاصة تؤمن من قبل بعض المسؤولين في المخيم لزيارة ابنها، من دون أن تدفع بدل نقل. مع ذلك، فإن الأغراض التي تأخذها له تجبرها على العمل وهي في سنها هذه.

تتابع رستم: "في السابق، كان يسمح لنا بجلب الأطعمة إلى السجن، لكن الأمر بات ممنوعاً اليوم". ولا تنسى الإشارة إلى أن الذهاب إلى السجن ينهكها كثيراً، ولا تعود إلى المنزل إلا في وقت متأخر. وتخبر أن قبل فترة، حين كانت تعمل في أحد البيوت، وقعت عن السلم. على الفور، قصدت عيادة وكالة وغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وحصلت على دواء مسكّن. طلب منها الطبيب إجراء صورة، لكن بسبب عجزها عن دفع تكاليفها، فضلت الاكتفاء بالدواء المسكن فقط، على الرغم من أنها ما زالت تتألم كثيراً. وأكثر ما يضايقها هو عجزها عن التوقف عن العمل.

اقرأ أيضاً: الفقر أجبرها على الزواج باكراً
المساهمون