رسالة من السجن

04 يونيو 2014
+ الخط -
أمي الحبيبة،

وصلتني رسالة كارلو المضمونة في 28 تشرين الأول/ أكتوبر ورسالتك في 25 من الشهر نفسه. أشكري كارلو بحفاوة على المال الذي أرسله إلي. قولي له إن لدي ما يكفيني في الوقت الراهن، وعند الحاجة فإني سأكاتبه دون تردد. لا أريده أيضاً أن يضحّي من أجلي أكثر من طاقته. لا أحد يعلم متى سأتمكن من رد الدين.

لا أعلم بما قرأته في الصحف عن خبر المحاكمة، لأني لا أقرأ الجرائد اليومية منذ شهور. أعتقد أني سأرحّل إلى روما. وهذا بالتحديد ما كتبته لك في رسالة سابقة. لكن حصل العكس، فقد أُخبرت منذ أيام أن المحاكمة لن تتم إلا في نهاية كانون الثاني/ يناير أو في بداية شباط/ فبراير.

سأظل إذن في ميلانو بضعة شهور أخرى، وهذا يلائمني جداً، لأن السفر في هذا الفصل غير ممتع إطلاقاً (خصوصاً إذا كان الشخص سجيناً). لا ينبغي أن تقلقي، وأريد التأكيد لك بأني مستقر ومطمئن. آه يا للأمهات اللواتي لو تُرِك العالم بين أيديهن دائماً، لبقي الرجال داخل الكهوف، يرتدون جلود التيوس فقط.

لا ضرورة للقلق حتى ولو تعلق الأمر بصحتي. لا أريد من بعض الأرواح الفاسدة أن تجد طريقة كي توصل إلى مسامعك بعض الأخبار (مع الأسف، تصل الأخبار السيئة دائماً، حتى ولو كانت في نهاية العالم). لا تصدّقي إلا ما أقوله لك، لأني أعلم عني ما لا يعلمه أحد، كما أنه لا يوجد أي سبب لأخفي عنك الحقيقة.

أختي (غير الشقيقة) ما زالت في ميلانو ومستمرة في تدليلي كطفل. فهي ترسل لي كل يوم شيئاً يمنحني إحساساً بأني حر في تناول كل ما يطيب لي. لم أستطع إقناعها بالعودة إلى روما، خاصة وأن الطقس في ميلانو ليس جيداً في هذه الفترة.

وصلتني أخيراً أخبار أبنائي، إنهم يكبرون وصحتهم جيدة. كانت جوليا مريضة لبضعة أشهر. أنا متأسف لوفاة عمتي ماريا دومنيكا. كانت في أعماقها طيبةً رغم صلابتها. كانت بكل تأكيد قريبتنا الوحيدة اللطيفة (بعد العم سيرافينو). أتذكر جيداً تصرّفات وكلام هؤلاء الأشخاص جميعهم، عندما كنا أطفالاً.

أتذكر أني كنت أذهب إلى بيت العمة ماريا دومنيكا بصدر رحب. أعتقد أنك تدركين بعض الأشياء التي لا أصرّح بها.

أمي الحبيبة. قبّلي الجميع بحنان. قبلاتي الكثيرة لك.

نينو

(ترجمة سعيد بوكرامي؛ من "رسائل أنطونيو غرامشي إلى أمّه")

دلالات
المساهمون