أكثر من رسالة حملتها زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى الدوحة، ولعل الرسالة الأبرز تتمثّل في مذكرة التفاهم بشأن التعاون في قطاع الغاز الطبيعي بين شركتي قطر للبترول وبوتاس التركية، والتي وُقّعت في أثناء الزيارة. وقال أردوغان بشأنها "إن بلاده تنظر بإيجابية لاستثمار محتمل في مشروعات لتخزين الغاز الطبيعي المُسال مع الدولة الخليجية"، موضحاً أن "تأزم علاقات تركيا مع روسيا قد يجعل مثل هذه الصفقات أكثر جاذبية"، مما يعني توجّه تركيا باتجاه قطر ودول الخليج، للبحث عن مورد جديد للطاقة، بدلاً من روسيا التي تأزمت علاقتها بها، وحتى لا تخضع للابتزاز الروسي.
ومن بين رسائل أخرى في زيارة الرئيس التركي، تأكيده الانحياز لشعوب المنطقة وقضاياها، من خلال سعيه إلى تطوير علاقات بلاده مع دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها قطر، التي دشّن معها حلفاً استراتيجياً، حيث يدفع الرئيس التركي، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بالعلاقات بين بلديهما، لتصل إلى مرحلة التكامل في كل المجالات، خصوصاً بعد التقاء البلدين في المواقف السياسية تجاه كل قضايا المنطقة، وخصوصاً القضية الفلسطينية، لا سيما على صعيد الجهود من أجل رفع الحصار عن قطاع غزة، وكذلك الوضع في سورية، والأزمة الليبية، والموقف من الحرب على الإرهاب، حيث تتفق رؤى البلدين في هذه القضايا. يذكر أن ست قمم قطرية تركية، جمعت الشيخ تميم وأردوغان في 15 شهراً، والمعلوم أن تركيا تستورد 1.2 مليار متر مكعب غاز طبيعي من قطر.
وينطوي التنسيق الكبير والمتواصل بين الدوحة وأنقرة، والذي شهد اندفاعة متقدمة أثناء زيارة أردوغان، على رسالة ذات دلالة بالغة لقوى ومحاور ودول في المنطقة، مضمونها أن التطابق الواسع في مواقف البلدين يقابله اهتزاز في علاقات هذه القوى والمحاور والدول، وأن العلاقات القطرية التركية تتجاوز ما هو سياسي واقتصادي إلى ما هو ثقافي وتعليمي واجتماعي، مما يعني أن هذه الجسور تزداد متانة وقوة وثباتاً.
اقرأ أيضاً: أردوغان في الدوحة: اكتمال التحالف التركي ـ الخليجي
ولعل التناغم التركي-القطري-السعودي الذي يبدو واضحاً، خصوصاً ما يتعلق بالموقف من الأوضاع في سورية، إذ تشترك البلدان الثلاثة في رفض بقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد، في أية تسوية سياسية مقبلة، يمهّد لتفعيل الحلف التركي-الخليجي، في مواجهة التطورات الخطيرة التي تشهدها المنطقة، والتمدد الروسي-الإيراني، الذي يشكّل خطراً كبيراً على أمن دول الخليج وأمن تركيا، وهو ما عبّر عنه الرئيس التركي، في محاضرته في جامعة قطر بالقول "إن أمن دولة قطر واستقرارها من أمن تركيا واستقرارها، كما أن أمن منطقة الخليج مرتبط بأمن تركيا". وأضاف "إن المنطقة والعالم الإسلامي يمران بمرحلة حرجة جداً، خصوصاً في فلسطين وسورية وعدد من المناطق"، لافتاً إلى ضرورة التضامن لتجاوز كل المحن يداً بيد، مشدداً على أن "تركيا وقطر ستمضيان نحو المستقبل بخطى ثابتة وهناك دور مهم للسعودية ولدولة قطر ولمجلس التعاون".
ووفق محللين سياسيين، فإن المهمة الأبرز، التي تنتظر التنسيق القطري التركي السعودي، في القريب العاجل، تتمثّل بالملف السوري، إذ تعمل دول الخليج على توحيد المعارضة السورية، استعداداً لمرحلة جديدة في سورية، تبدأ في يناير/كانون الثاني المقبل، كان قد أعلن عنها رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، بعد لقائه في بروكسل وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أن الرياض تستضيف في الحادي عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، اجتماعاً بهذا الخصوص، بناء على نتائج اجتماعات فيينا، حول النزاع السوري الشهر الماضي.
وفي إشاراته في محاضرته في جامعة قطر، أول من أمس الأربعاء، إلى الملفات اليمنية والليبية والسورية والفلسطينية والعراقية، وإلى أمن دول الخليج، فإن الرئيس التركي يؤكد حضور بلاده الواسع في قضايا المنطقة، من مختلف المداخل، السياسية والإنسانية والاقتصادية، وقد أولى البعد الإنساني مقداراً كبيراً في هذا السياق، عندما تطرّق طويلاً إلى مأساة المهاجرين من سورية والعراق وليبيا، وعند قوله إن تركيا ستُبقي على سياسة الباب المفتوح التي تنتهجها في هذا الملف. ولم ينس أردوغان مأساة الصومال، والدور الإنساني لبلاده هناك، مما يبعث رسالة تركية واضحة المقاصد، موجزها أن تركيا دولة ذات طموح إقليمي عريض في المنطقة والعالم.
اقرأ أيضاً: أمير قطر والرئيس التركي يدشّنان عهداً جديداً بين البلدين