سعى الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، عبر زيارته إلى السودان، للوصول إلى اتفاق معها يضمن استمرار الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت في سدة الحكم في دولة جنوب السودان. وأجرى موسفيني ونظيره السوداني عمر البشير مباحثات ثنائية، في زيارة دامت ليوم واحد قبل أن يغادر الخرطوم الأربعاء. وأكد وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور أنها انتهت إلى اتفاق بين الرئيسين على اعتماد مخرجات اللجنة الأمنية المشتركة في ما يتصل بالقضايا العالقة بين الدولتين، رافضاً الإفصاح عنها
وتكشف مصادر أن لقاء البشير وموسفيني تم بإيعاز من الولايات المتحدة الأميركية، التي تسعى جاهدة لتحسين علاقة الدولتين لضمان استقرار دولة الجنوب، والتطبيق الكامل لاتفاقية السلام التي وقّعتها الحكومة في جوبا مع المتمردين الجنوبيين بقيادة رياك مشار الشهر الماضي، فضلاً عن حرص واشنطن على إعادة تشكيل منطقة البحيرات، والسيطرة عليها في إطار التنافس الأميركي الأوروبي عليها.
وفي لقائه الأخير بقادة دول الجوار الجنوبي في أديس أبابا، كان الرئيس الأميركي باراك أوباما مباشراً في كلامه حول الدور الأوغندي والسوداني في جوبا، وإسهامه في تأجيج الصراع عبر استغلال الحرب في تصفية الحسابات بين البلدين. ووفقاً لمصادر، فإن أوباما شدد على ضرورة إنهاء الدولتين لخلافاتهما التاريخية، والعمل بإيجابية حيال استقرار الجنوب.
ويرى مراقبون أن واشنطن تسعى جاهدة لاستقرار منطقة البحيرات، وترى أن الخطوة الأولى بتحسين علاقة الخرطوم بكمبالا، لا سيما أن المنطقة تمر بعدة تحديات بينها جماعة "بوكو حرام" و"الشباب" الصومالية.
في المقابل، يعتبر مراقبون آخرون أن عدة عوامل قادت النظام في الخرطوم، للمضي قدماً في تحسين علاقته مع كمبالا التي ظلت تؤدي دوراً سلبياً ضده داخل الاتحاد الأفريقي، ومن بين تلك العوامل اتجاه الخرطوم نحو المصالحة الخارجية، للإسهام بشكل فعال في تطبيع علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وأميركا، فضلاً عن تقوية موقفها التفاوضي، لا سيما أنها تعي تماماً أنها مُقدمة على تسوية سياسية في ما يتصل بالمجموعات المتمردة والمعارضة السلمية، الأمر الذي يتطلب تنازلات متبادلة تجعلها تركز على مبدأ الدخول في التفاوض من منطلق القوة. إضافة إلى العامل الأساسي المتصل بإحكام الحصار على المتمردين، إذ تطمح الخرطوم في اتفاقها المزمع مع موسفيني أن يعمد الأخير إلى طرد كل الحركات السودانية من كمبالا، وإيقاف دعمها. وهو ما بدأ في تطبيقه فعلياً بعد زيارة نائب الرئيس السوداني حسبو عبد الرحمن لكمبالا في فبراير/شباط الماضي.
اقرأ أيضاً: مشار يبحث في الخرطوم اتفاقية السلام بجنوب السودان
في مقابل ذلك، يؤكد مصدر حكومي أن مطلب موسفيني إلى جانب وقف دعم الخرطوم لـ "جيش الرب"، الضغط على زعيم المتمردين رياك مشار للعمل على تنفيذ اتفاقية السلام بشكل لا يهدد وجود الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت في السلطة، ولا يهدد مصالح كمبالا في الجنوب.
وأبدت الخرطوم عملياً تجاوباً مع المطالب الأوغندية، إذ عمدت إلى إرسال طائرة رئاسية خاصة لجلب زعيم المتمردين رياك مشار إلى الخرطوم للقاء موسفيني فور وصوله الخرطوم، لا سيما أن زيارة الرجلين إلى الخرطوم تمت بالتزامن.
ويقول مصدر من مجموعة مشار لـ "العربي الجديد" إن زيارة مشار إلى الخرطوم تمت بشكل مرتجل وسريع، إذ تلقى اتصالاً هاتفياً من الخرطوم يدعوه لزيارتها، ولبى الدعوة فوراً من دون أن يكون هناك ترتيب مسبق.
أما المحلل السياسي محجوب صالح، فيقول إن قضية الجنوب تتطلب جهود كمبالا والخرطوم لضمان نجاحها، كما أنها تأتي استجابة لرغبة المجتمع الدولي الذي يريد من الطرفين الإسهام في حلها. ولكنه يستبعد وصول الطرفين إلى حلول عملية، معتبراً أن "الحوار سيكون تمهيدياً لكنه لن ينتهي بشيء عملي فوري لأن هذه القضية متشابكة وفيها أطراف أخرى، على الرغم من أن المرحلة هي لتنقية الأجواء ووقف الاتهامات المتبادلة".
من جهته، يرى الأستاذ الجامعي، الطيب عابدين، أن أوغندا تورطت في حرب الجنوب، وتبحث عن سلام يضمن استمرارية سلفاكير في سدة الحكم من دون أن يُواجه أية منافسة من قبل مشار حتى ما بعد الفترة الانتقالية، مشيراً إلى أن "أوغندا تريد من الخرطوم القيام بهذا الدور، وخصوصاً أنها على قناعة بعلاقة مشار بالخرطوم ومدى تأثيرها عليه".
يُذكر أن الخرطوم تتهم كمبالا بدعم وإيواء "الحركة الشعبية قطاع الشمال" ومن قبلها "الحركة الشعبية" بقيادة جون قرنق، فضلاً عن الحركات الدارفورية، بينما تتهم كمبالا الخرطوم بدعم وإيواء وتدريب "جيش الرب". ولأكثر من ربع قرن، ظلّت تلك الاتهامات تتحكّم في علاقة الدولتين بمدى نشاط تلك المجموعات، ووصلت إلى ذروتها في العام 1995، حين أقدم البلدان على قطع العلاقات بينهما بشكل كامل وسحب السفيرين. وبعدها بعامين توغّل الجيش الأوغندي في الأراضي السودانية، إذ دخل حتى جوبا لملاحقة "جيش الرب"، مما قاد لمواجهة مع الجيش السوداني وقتها.
وقبل أقل من عامين هدد موسفيني بقطع العلاقات الدبلوماسية مع السودان واتهمها بالاستمرار في دعم "جيش الرب" منذ 2008 فضلاً عن تدريبه وإعادة انتشاره داخل أوغندا. كما اتهم الخرطوم بإشعال الحرب في جنوب السودان للاستيلاء على ثرواته.
يُذكر أن آخر زيارة للرئيس الأوغندي إلى الخرطوم جرت في العام 2001 عقب مبادرة السلام التي قادها العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، وتُوّجت باتفاق سلام بين الخرطوم وكمبالا، عادت معها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وأقرت نشر قوات ليبية مصرية لمراقبة الاتفاق.
وقبلها توسط الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر بين البلدين، وتُوجت الوساطة بتوقيع الطرفين على اتفاقية سلام قضت بالتزام كل طرف بعدم دعم وإيواء المعارضة في البلد الثاني، فضلاً عن إعادة الأطفال الأوغنديين المخطوفين من قبل "جيش الرب" داخل الأراضي السوداني وإعلان عفو عام عن المتمردين، لكن الاتفاق تعثّر بعودة الاتهامات.
وسرعان ما تدهورت العلاقات مرة أخرى بعد تصاعد الخلافات بين البلدين في 2010 بتجديد الاتهامات وقضية مياه النيل، إذ عمد مسؤولو أوغندا إلى عقد مؤتمر وقّعوا خلاله على اتفاق عنتبي لإعادة تقسيم حصص مياه النيل بين دول الحوض، على الرغم من اعتراض مصر والسودان عليه، فضلاً عن احتضان كمبالا في يناير/كانون الثاني 2013 مؤتمراً للمعارضة السودانية المسلحة والسلمية، أصدرت خلاله وثيقة "الفجر الجديد" التي أقرت إسقاط النظام السوداني ووضعت ترتيبات لما بعد إسقاطه.
اقرأ أيضاً: الرئيس الأوغندي يزور السودان بعد قطيعة 15 عاماً