رسائل الربيع في تونس

01 نوفمبر 2014

"نداء تونس" المرتبة الأولى

+ الخط -

أنهت تونس مرحلتها الانتخابية الأولى على نتائج ديمقراطيةٍ لم تثر اعتراض أي من مكونات الحياة السياسية في البلاد، سواء من الإسلاميين وحلفائهم، أو من العلمانيين ومناصريهم. وإذا كان من الطبيعي عدم اعتراض الأخيرين، باعتبار أنهم خرجوا فائزين في هذه الجولة الانتخابية، فاللافت هو قبول الجميع بما أفرزته صناديق الاقتراع، على اعتبار أن هذا خيار الشعب الذي أراد التغيير، وحصل عليه، في عملية ديمقراطية كاملة وطبيعية، من دون تدخلات من العسكر، أو اللجوء إلى تظاهرات شعبية.
وبغض النظر عن القراءة في النتائج والقوى التي أخرجتها إلى حيز الحكم، إلا أنه لا يمكن الطعن في شرعية وجودها السياسي والشعبي. ولعل ما شهدته تونس هو الأمثولة التي كانت مرتجاة في كل دول الربيع العربي، ورسالة من مهد الثورات إلى الدول الأخرى التي سارت على هديها، لكنها سقطت في أفخاخ الثورات المضادة، ودخلت في متاهات وأزماتٍ يصعب الخروج منها سريعاً.
رسالة الربيع في تونس بسيطة: الديمقراطية هي الحل. هي باب التغيير والتداول الطبيعي على السلطة، مثل أي دولة متقدمة في العالم. وصندوق الاقتراع هو عنوان المحاسبة، لا الانقلابات والمليشيات. هذا ما يحصل في تونس، اليوم، فبعد تجربة الحكم لحركة النهضة وحلفائها، بما لها وما عليها، جاءت اللحظة الحاسمة لقياس النجاح والإخفاق. وكانت نتيجة الانتخابات التي تلقفتها "النهضة" باعتبارها فرصة لمراجعة ما ارتكبت من أخطاء، والسعي إلى تجنبها في المستقبل.
كان من المفترض أن يكون هذا أساس الربيع في الدول الأخرى التي سارت في دروب مختلفة. هي رسالة من تونس إلى ثوار تلك الدول. إلى مصر بداية، التي خرج مئات الآلاف فيها ناقمين على حكم الإخوان المسلمين، مطالبين بالتغيير السريع، وهو ما تلقفه العسكر ليدمر كل ما قامت من أجله الثورة، وليعود بالبلاد إلى ما هو أبشع من النظام السابق، ويضعها على خارطة الحكم الفاشي العسكري. لا شك، اليوم، أن كثيرين من أولئك الذين خرجوا متظاهرين في مصر يرنون إلى تونس بحسرة، فللتغيير طرق أخرى مفتوحة، على عكس ما بات قائماً اليوم في مصر التي من الواضح أن ما أنتجه الانقلاب أقفل باب التغيير، الديمقراطي على الأقل، إلى أجل غير مسمى.
عين اليمن وليبيا، أيضاً، على المشهد التونسي، مع اختلاف المعطيات في كل من البلدين، إلا أن، أيضاً، لسان حال كثيرين في هاتين الدولتين يتحسّر على ما آلت إليه الأوضاع فيهما، ودخول أطراف عدة على خط المسار السياسي فيهما، لتحويل خطوات التغيير الطبيعية إلى وبال على مصير البلدين.
رسائل الربيع في تونس وصلت إلى دول كثيرة، لكن، ربما بعد فوات الأوان، ليبقى المسار التونسي فريداً. حتى القلق مما أفرزته الانتخابات، والمخاوف من عودة النظام السابق إلى سدة الحكم تتبدد، في حال كانت هذه الانتخابات تكريساً لعملية ديمقراطية حقيقية، يتم التداول فيها على السلطة بشكل سلس، وهو من الأمور الرئيسة التي قامت من أجلها الثورات العربية، إلى جانب المطالب الاقتصادية والاجتماعية.
الفريد من الحالة التونسية أن نتائج الانتخابات ليست نهائية، وأن الفريق الفائز اليوم لن يكون فائزاً إلى الأبد، والأمر نفسه بالنسبة للخاسرين. هي فرصة اختبار تجارب وبرامج للحكم، قد تفشل وقد تنجح، لكن الحكم النهائي عليها يكون للصوت الشعبي الوازن والحاسم والمقرر. التجربة الانتخابية التونسية لا بد أن ترسخ فكرة أن لا حكم أبدياً، ولا توريث للسلطة. هذه الرسالة الأهم التي يجب الحرص على استمرارها، لتبقى تونس نموذجاً عن أن للربيع ثماراً ما كان يجب استعجال قطفها.

 

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".