رسائل الأغلبية الصامتة في الجزائر

13 مايو 2017
+ الخط -
عندما يحجم ملايين الجزائريين عن المشاركة في الانتخابات التشريعية، ويسلم مليونان آخران أوراقهم الانتخابية بيضاء، ويشارك ستة ملايين فقط، فهذا لا يعدّ عزوفاً، وإنما عزف منفرد للجزائريين الذين سئموا المشهد السياسي وآلياته، وتململوا من سرطان الفساد الذي يستشري في جسد المؤسسات، وضجروا من القبضة الأمنية الغبية، وفقدوا أملهم الضعيف في المعارضة الكرتونية عديمة الجدوى والنفع والأثر الذي يحفّز الجزائري على الجلوس في بيته مرتاح الضمير، غير مبال بمشاركة انتخابية أو أي إستحقاقات سياسية.
الجزائر أيقونة الجهاد والكفاح ضد المستعمر البغيض، بلد المليون شهيد ما زال يبهرنا برسائل شعبه التي لا تخطئها عين المراقب إلى هذه الأمة الفتية ذات التاريخ المشرف، فسيمفونية عزوفه عن المشاركة في الانتخابات يطرب لها الأحرار الشرفاء، وتشنف آذان محبي الحرية والديمقراطية، وتداول السلطة ودولة المؤسسات في كل مكان.
نسبة المشاركة الضعيفة درس وإنذار وإعذار لكلّ قوى الإستبداد والفساد التي أدمنت السلطة، ولن تفارقها إلا مجبرة مضطرة، فعندما تصمت الأغلبية فهو الصمت البليغ الذي يجهر بصوته العالي المدوّي في سماء الجزائر، معلناً رفضه سياسة الأمر الواقع، محاولاً استرجاع الإرث التاريخي لكرامة الجزائريين وحريتهم.
57 حزبا في الجزائر لا يعرفها حتى المتخصّصون من خبراء السياسة المتابعين، في مشهد عبثي قد تراه في شقيقات عربيّات أخريات. هذه الأحزاب التي تلعب دور الكومبارس غير المتكلم (بلغة الدراما والسينما) تساند بطل الفيلم الانتخابي، وهو حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم الذي حصد 164 مقعدا من مجموع 294 مقعد، تاركاً البقية لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي اكتفى بـ97 مقعد، ليتبقى 33 مقعدا يسارع بأخذها حركة مجتمع السلم! وما السياسة إلا حركات، ويقوم بالحركة وممارسة الفعل الإخوة والأقارب، فها هو شقيق الرئيس الجزائري، سعيد بوتفليقة، يقوم بإدارة الدولة وتسيير شؤونها ويعدّ القوائم الانتخابية ويحكم الجزائر بالإخوة والقرابة وسياسة الأمر الواقع والحكم الفعلي الذي لا يمت بصلة للدولة القانونية، صاحبة المؤسسات الدستورية، ولن نتطرّق إلى صراعات القيادة والهيمنة في قمة الحزب الحاكم، ومحاولات إبعاد شخصيات وتقريب أخرى، لأنّ هذا كله لا يعدو أن يكون الجزء الظاهر من جبل الثلج الذي نتمنى عدم الاصطدام به، لأنّ الرياح غير مواتية والعواصف هائجة، والشعب يئن من بطالةٍ متزايدة، ويركض وراء أسباب الحياة ولقمة العيش العزيزة، متمنياً وصول السفينة الجزائرية إلى بر الأمان.
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
طارق البرديسي (مصر)
طارق البرديسي (مصر)