رسائل أوباما المتناقضة

06 ابريل 2015

أوباما .. إشارات طمأنة إلى إسرائيل (2 إبريل/2015/Getty)

+ الخط -

تبدو دعوة أوباما لقمة أميركية خليجية، في مايو المقبل، غير مستساغة، بل ربما مستفزة. كما أعلن، هدف القمة طمأنة دول الخليج بشأن الاتفاق النووي الإيراني الغربي. وهو أمر مستغرب، ويثير التساؤل، فالموعد المفترض لهذه القمة هو مايو، أي قبل أيام من توقيع الاتفاق "النهائي"، بينما واشنطن تباشر التفاوض مع طهران منذ أربع سنوات، على الأقل. في الكلمة التي ألقاها أوباما، وهو يزف إلى العالم خبر الاتفاق مع إيران، كرر، غير مرة، أن واشنطن ملتزمة بتعهداتها تجاه حلفائها الإقليميين، ثم استفاض في إرسال إشارات طمأنة لإسرائيل، وهو النهج نفسه الذي تبناه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في مؤتمر صحافي أعقب مباشرة كلمة أوباما.

ليس جديداً هذا التناقض بين السلوك العملي والتطمينات الشفوية، الصادرة من إدارة أوباما، لكنه صار فجاً ومكشوفاً، بحيث يصعب تمريره أو التغاضي عنه. لكن، حتى أشهر قليلة، لم تكن المسافة بين القول والفعل الأميركيين بهذا الاتساع الحاصل حالياً. معروف أن توجهات أوباما، وكذلك إدارته، تميل إلى الوسطية والحوار والحلول السياسية، لكن رغبته في الإمساك بكل الخيوط، والتظاهر بإرضاء كل الحلفاء، تعارضت، أخيراً، مع حرصه الشديد على إنهاء رئاسته الثانية، بإنجاز تاريخي يحسب له، ويضمن للديمقراطيين البقاء في البيت الأبيض، بعد الانتخابات الرئاسية في العام المقبل. لذلك، تخلت واشنطن، على نحو مفاجئ، عن سلوكها الانسحابي من القضايا الصعبة في الشرق الأوسط، فراحت تنشط ذاكرتها التدخلية بتحالف سريع ضد "داعش"، تختبر به ولاء حلفائها التقليديين، وتطمئن به إيران إلى بقاء حليفها السوري، ولو إلى حين، وثبات معادلة العراق التي تمثل طهران الرقم الأساس والمتغير المستقل فيها.

وعلى الرغم من أن مسؤولية ما جرى في اليمن تقع، بالدرجة الأولى، على دول المنطقة، خصوصاً دول الخليج التي انشغلت بالوضع في سورية وملاحقة الداخل المصري، ونفي شبهة التطرف بضرب داعش، إلا أن واشنطن ليست معفية بدورها من تلك المسؤولية. إذ لم تكن بعيدة، ولا غافلة، عن تدهور الوضع في اليمن، وزحف الحوثيين نحو الاستيلاء على الدولة أرضاً وسلطة. فبدا السكوت الأميركي، أو بالأحرى الضوء الأخضر، استدراجاً لإيران، حتى تبدي مرونة أكبر في المفاوضات النووية، ويسهل التوصل إلى اتفاق، غير أن الاندفاع الأميركي وراء هذا المنطق، والمهارة الإيرانية في إدارة التفاوض واستهلاك الوقت، أفسحا مجالاً رحباً أمام طهران وحلفائها لفرض أمر واقع جديد في اليمن، وترسيخ دعائم آخر في العراق وسورية.

وسط هذا التناقض، يصير السؤال: ماذا يريد أوباما حقاً؟ وإلام يهدف من تلك الإشارات المتباينة المعنى والمبنى؟

هو يتجنب التخلي الكامل عن المنطقة، لما قد يترتب على ذلك من اختلال في التوازنات القائمة، وانفلات في سياسات القوى الإقليمية وتحركاتها المتبادلة، بما يهدد استقرار المنطقة ككل، ومن ثم المصالح الأميركية ومن خلفها الإسرائيلية. وهكذا كان ضرورياً أن تبارك واشنطن، وتشارك في عملية "عاصفة الحزم"، لاعتبارات جيواستراتيجية، تتعلق بأمن الملاحة في باب المندب، واعتبارات أخرى سياسية، أهمها حشر طهران في الزاوية بين مطرقة قصف حلفائها في اليمن، وسندان المهلة المحددة للتفاوض النووي، على الرغم من أن الاستجابة لتلك المهلة كانت رغبة أميركية محمومة، تجلت في اتصالات واشنطن المكثفة بشركائها الأوروبيين في الأيام الأخيرة، لتقريب المواقف وبلورة مرتكزات للاتفاق. أوباما يطلب من العرب والعالم الاطمئنان والوثوق في واشنطن، بينما همه الأساس إغلاق الملف النووي الإيراني بتسوية تحمل اسمه. وفي سعيه إلى ذلك المجد، أخذ يقدم لإيران ووكلائها "حوافز" إقليمية وتنازلات نووية، على حساب العرب وربما إسرائيل أيضاً. وإن كان لدى الأخيرة رادع نووي يضمن حمايتها، فمن يحمي العرب من تقلبات واشنطن وتناقضات رؤسائها؟

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.