تبعد مدينة كركوك العراقية عن الموصل ما يزيد عن الساعتين بقليل، بالسيارة. أي أن استهداف المدينة من قبل قرابة 74 انغماسياً/انتحارياً من عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، لا يحتمل أن يكون تكتيكاً عسكرياً لمواجهة حصار التنظيم داخل الموصل. صحيح أيضاً أن عناصر التنظيم يتواجدون في الحويجة بالقرب من كركوك، لكن حجم البلدة ووضعها الإستراتيجي لا يجعل استهداف كركوك تكتيكاً عسكرياً، لإنقاذ الحويجة.
هناك رسالتان لهجوم كركوك، المدينة المحصنة بعشرات الآلاف من عناصر البشمركة، أولها استعراضي. فالتنظيم يستعرض قوته كعادته. فبعد دخول الموصل في 2014، حاول أن يتحدث عن قرب "معركة بغداد" ليزحف لاحقاً باتجاه أربيل، الخطوة التي أدت إلى تدخل التحالف الدولي ضد "الدولة الإسلامية" بقيادة الولايات المتحدة، وشن حملات قصف على التنظيم، لم تتوقف منذ ذلك الحين. وأثناء هجوم القوات الحكومية العراقية ومليشيات "الحشد الشعبي" الطائفية على الرمادي، تحدث التنظيم عن "معركة سامراء". هنا تأتي رسالة مشابهة اليوم "أنتم تحاصرون الموصل، لكننا سنضرب في كركوك". يريد أن يقول التنظيم لأتباعه وخصومه على السواء، إنه ما زال قادراً على المبادرة، والإيلام.
الرسالة الثانية أكثر وضوحاً وصخباً. يريد "داعش" أن يقول للعالم، والولايات المتحدة تحديداً، إن معركة الموصل ليست النهاية. فالتنظيم حتى وهو محاصر في الموصل، قادر على الضرب في مدينة محصنة ومستقرة مثل كركوك. الخطوة التي تلمح إلى مستقبل العراق بعد فقد التنظيم هيمنته على الموصل: ظهور للانتحاريين فجأة في أي مكان، نشر الفوضى والقتل والدمار لساعات، وهنا ينتهي كل شيء، في معركة استنزاف قد تطول.
يريد التنظيم أن يقول إنه وإن فقد سيطرته على مدينة أو محافظة عراقية، إلا أن هناك آلاف الانتحاريين الذين إن لم يتمكنوا من مواصلة القتال على الأراضي السورية، سيمتلكون زمام المبادرة، ويضربون بقوة في العراق، في أي مكان. أي أن حلم العراق بالوصول إلى مرحلة ما بعد "داعش"، ما زال بعيد المنال.