رغم أن اجتماع منظمة البلدان المصدرة للنفط، "أوبك"، والذي أنهى أعماله يوم الخميس في فيينا، لم يتمكن من الاتفاق على سقف محدد للإنتاج للمنظمة، إلا أنه بعث برسالة مهمة إلى الأسواق، وهي أن السعودية لن تغرق الأسواق بالنفط، كما كان تجار النفط يتخوّفون، خاصة أصحاب الشحنات العائمة في البحار.
ويذكر أن التصريحات السعودية السابقة، بأن المملكة قادرة على زيادة إنتاجها فوراً بمليون برميل، قد زرعت الرعب في أسواق النفط، وخاصة أن تجار النفط يعلمون أن السعودية هي الدولة الوحيدة، التي لديها طاقة فائضة تتراوح بين مليوني و2.5 مليونَي برميل يومياً. وبالتالي يمكنها إغراق السوق إذا أرادت ذلك.
أما الرسالة الأخرى التي بعثت بها المنظمة إلى الأسواق، فهي الاتفاق على اختيار أمين عام للمنظمة. ورغم أن منصب الأمين العام ليس ذا أهمية كبيرة في اتخاذ قرارات المنظمة البترولية، إلا أن اختياره يعني ببساطة، أن المنظمة قادرة على الحوار والاتفاق، وبالتالي التأثير على السوق.
ورغم المعارضة الإيرانية للمبادرة السعودية بتحديد سقف معين للإنتاج، فإن الاجتماع أظهر كذلك، وحسب تصريحات وزير النفط السعودي الجديد، خالد الفالح، أن الحوار النفطي بين طهران والرياض، لن يتوقف وأن السعودية مستعدة للاستماع إلى وجهة النظر الإيرانية الخاصة بالنفط وبسياسات المنظمة. ومن هذا المنطلق، فإن هذه المؤشرات تدل على أن المنظمة ستعود إلى لعب دورها في السوق النفطية، وإن كان هذا الدور سيكون أقل تأثيراً من الدور الذي كانت تلعبه قبل انهيار أسعار النفط قبل عامين.
وعلى صعيد مستقبل الأسعار، يرى خبراء في لندن أن الطلب العالمي بدأ في التحسن، خاصة في الأسواق المستهلكة الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين والهند. ويعتقدون أن ارتفاع الطلب على المشتقات النفطية في هذه الدول سينعكس إيجاباً على تحسن أسعار النفط، ولكنهم يتوقعون ارتفاعاً ضئيلاً فوق مستوى 50 دولاراً للبرميل.
ويقول محللون نفطيون في لندن إن أسعار النفط ربما تتجاوز، بدولار أو دولارين، مستوى الـ 50 دولاراً للبرميل خلال الصيف الجاري، ولكنهم يستبعدون تحليق النفط نحو 60 دولاراً للبرميل، إلا إذا حدثت مستجدات جيوسياسية في المنطقة العربية الغنية بالنفط وتعج في ذات الوقت بالنزاعات السياسية والحروب، التي قد تتفجرخارج نطاق السيطرة وتؤثر على الإنتاج النفطي في العراق.
ويقول معظم خبراء النفط، الذين اطلعت "العربي الجديد" على تعليقاتهم، أن من المرجح أن يتأرجح بندول الأسعار حول 50 دولاراً للبرميل، صعوداً وهبوطاً وبنسب بسيطة. ورغم الحديث عن احتمالات ارتفاع الأسعار إلى 60 أو 65 دولاراً للبرميل، إلا أن العديد من خبراء النفط يقولون إن أساسيات العرض والطلب لا تدعم ذلك. وقال غاري روس، صاحب شركة "بيرا كونسلتنسي"، لاستشارات الطاقة في لندن: " من المهم أن يقول السعوديون إنهم لا يخططون لإغراق السوق بالنفط".
وعلى صعيد الطلب، قالت شركة "جي بي سي إنيرجي" للطاقة، التي يوجد مقرها في فيينا، في تقرير أمس، إن الطلب العالمي على النفط زاد بحوالى 1.5 مليون برميل يومياً، خلال الأربعة شهور الماضية من العام. وهذا المعدل في زيادة الطلب يعد كبيراً، مقارنة بتوقعات منظمة "أوبك" الصادرة قبل أسبوعين وتوقعات وكالة الطاقة الدولية الصادرة في نهاية الشهر الماضي. وتوقعت وكالة الطاقة الدولية لارتفاع الطلب العالمي على النفط أن يكون في حدود 1.2 مليون برميل يومياً.
من جانبها، ترى شركة "جي بي سي إنيرجي"، أن الاقتصاد الصيني تمكن من المحافظة على معدل نمو قريب من 7.0% خلال الشهور الماضية، وبالتالي ارتفع الطلب على النفط في الصين بحوالى 400 ألف برميل يومياً. كما ذكرت كذلك أن الطلب على المشتقات في الهند شهد، هو الآخر، ارتفاعاً بكمية 300 ألف برميل يومياً خلال الشهور الماضية.
وتعد كل من الهند والصين، إلى جانب الولايات المتحدة، من الدول المهمة في تحديد الطلب العالمي على النفط. فالهند والصين، يرتبط النمو في كل منهما بزيادة الطبقة الوسطى القادرة على شراء سيارات جديدة، كما أنهما من الدول التي يفوق عدد سكان كل منهما مليار نسمة. وبالتالي، فإن زيادة طفيفة في النمو تعني زيادة كبيرة في الوظائف ربما تصل إلى عشرات الملايين.
وفي لندن، حلق سعر خام برنت قليلاً فوق 50 دولاراً للبرميل أمس الجمعة بعد اجتماع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) . وجرى تداول العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط بزيادة تسعة سنتات إلى 49.26 دولاراً للبرميل.
وفي تعليق على مستقبل أسعار النفط، قال وزير الطاقة القطري، محمد السادة، للصحافيين في موسكو أمس، إن أسواق النفط العالمية تتجه نحو استعادة توازنها.
وأضاف السادة أن اجتماع فيينا كان ناجحاً واتسم بالكثير من التوافق بين الأعضاء، مشيراً إلى أن المنظمة ناقشت بتعمق وضع العرض والطلب في سوق النفط وأن "الأسوأ" قد انتهى.
ولكن الوزير القطري حذر من مخاطر تراجع الاستثمارات في قطاع النفط، حيث قال، وحسب رويترز،"إن من الواضح أن هناك انكماشاً ضخماً في الاستثمارات قد يؤدي إلى نقص في المعروض بعد ذلك، وإن من المرجح استمرار تراجع إنتاج الخام من خارج أوبك".
من جانبه، قال وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، للصحافيين "إن السعودية ستنتهج أسلوباً ناعماً وسيحرصون على عدم التسبب في صدمة للسوق بأي شكل".
وتنظر السوق إلى أن هذا الاجتماع للمنظمة البترولية على أساس أنه سيوقف سباق الحصص في أسواق الاستهلاك الرئيسية، الذي أطلق حرب تنزيلات في أسعار النفط، كانت نتيجتها انهيار الأسعار إلى 27 دولاراً في يناير/كانون الثاني الماضي.
وفي فيينا، وعقب نهاية اجتماع"أوبك"، قال محمد باركيندو، الأمين العام الجديد لأوبك، إن تعيينه في المنصب يظهر أن المنظمة عازمة على تعزيز وحدتها وإنه يريد أن يحدث فرقاً عندما يتولى مهام منصبه.
تعيين باركيندو مرشح نيجيريا أميناً عاماً، يأتي بعد 10 سنوات من احتلال عبدالله البدري لهذا المنصب.
وقال باركيندو لمجموعة من الصحافيين عقب انتهاء اجتماع أوبك: "حقيقة أن أوبك قررت انتخاب أمين عام لها اليوم، بعد سنوات عدة من المساومات، هي في حد ذاتها مؤشر إيجابي ليس فقط للسوق وإنما أيضاً للمجتمع الدولي على أن أوبك تعود بقوة أكبر".
وقال"إنني عاقد العزم على إحداث فرق في هذا المنصب."
ويذكر أن موسكو، صاحبة الأطماع في السيطرة على المنظمة، فوجئت بنتائج الاجتماع، حيث قال وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، أمس الجمعة، إن بلاده لم تكن تتوقع أي تحرك جديد من منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) خلال اجتماعها يوم الخميس. لكن نوفاك قال إنه يرى أن انتخاب المنظمة أميناً عامّاً جديداً خطوة مهمة.