لا تزال ارتدادات تصريحات النائب عن حركة "نداء تونس"، عبدالعزيز القطي، المتعلقة باتهام مدير الأمن الوطني بالتجسس على الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وأفراد عائلته، تتوالى، مثيرةً ردود فعل، لاسيما لدى الجهاز الأمني، إذ استنكرت فئة من هيكلته هذه التصريحات، واعتبرتها شقاً لصفوف المؤسسة الأمنية وزجّاً بها في نزاعات الحركة.
وكان القطي قد صرّح، أول أمس الأحد، أن أهم أسباب إصرار السبسي على تغيير رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، تمثلت في التعيينات التي وصفها بـ"الكارثية" في مواقع حساسة، ضارباً المثل بمدير عام الأمن الوطني، عبدالرحمان الحاج علي.
واتّهم مباشرة الحاج علي بتركيز جهوده في التجسس على رئيس البلاد وعائلته وقيادات في "النداء"، إلى جانب تشكيل فرقة أمنية خاصة بذلك، مشيراً إلى أنه تم إعلام وزير الداخلية، الهادي مجدوب، لكنه لم يُعر الأمر اهتماماً، معتبراً أيضاً أن "رئاسة الحكومة تتطلب رجلاً جريئاً لتنفيذ الإجراءات العاجلة لإنقاذ البلاد".
ولكن القطي تراجع بعد ذلك، ونفى في تصريح إذاعي أن يكون قد اتهم المدير العام للأمن الوطني بالتجسس، وأنه انتقد عمله فقط، مشدداً على أنّه لا يشكك في نجاح المؤسسة الأمنية وفي المجهود الذي تبذله. ورأى أنّ من حقّه الحديث عن القيادات الأمنية، باعتباره نائباً في مجلس نواب الشعب، ومن واجبه تقييم عمل أي مسؤول في الدولة، بحسب تعبيره.
من جهة أخرى، ذكرت مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، أنّ "عدداً من قيادات النداء الموالين لحافظ قائد السبسي، ابن الرئيس، قد أبدوا استنكارهم لوضع حافظ (الابن) تحت المراقبة من قبل الأجهزة الأمنية، والتنصت على بعض لقاءاته بأطراف أجنبية، على الرغم من أن الإجراء يبدو عادياً وروتينياً، ولم يكن المستهدف منه قائد السبسي بقدر ما كان يرمي إلى تأمينه والرقابة على الشخصيات الأجنبية التي رافقته".
وأضافت المصادر عينها، أنّ "شخصيات ندائية ورجال أعمال معروفين قريبين منها، استنكروا تصوير لقاءاتهم، خاصة أن بعضهم كان على علاقة مع شخصيات ليبية عُرفت بانخراطها في الصراع الدائر في ليبيا الآن، وهو ما يمثل خطراً على أمن البلاد".
وبحسب المصادر، فإنّ "الأمر لا يخلو أيضاً من حسابات ذاتية بين بعض الشخصيات الندائية التي اعتادت الحصول على المعطيات الهامة أو طلب خدمات شخصية من وزراء سابقين في الداخلية عُرفوا بموالاتهم للحركة، علاوة على منحهم امتيازات في صفقات عمومية تخص الوزارة. في حين أن مجدوب ومدير عام الأمن الوطني، حاولا إغلاق كل المنافذ إلى المؤسسة الأمنية، والابتعاد ما أمكن عن إملاءات الشخصيات المتنفذة في الأحزاب، بتوجيهات خاصة من الصيد في هذا الغرض".
وأضافت أنّ مدير عام الأمن الوطني تجمعه علاقات متوترة مع آمر الحرس الوطني، والذي تُرجع هذه المصادر سببها إلى قرب الأخير من قياديين وشخصيات متنفذة داخل "النداء" ومؤسسة رئاسة الجمهورية، ما جلب له العداء "الندائي".
ولم يمر هذا التصريح من دون أن يستوقف النقابات الأمنية، التي وجدت نفسها مجبرة على الدفاع عن مدير عام الأمن الوطني، ضد ما اعتبرته هجمة سياسية، المراد منها تسجيل أهداف.
وفي هذا السياق، قال كاتب عام نقابات موظفي الأمن الداخلي، مهدي بالشاوش، إن تلك التصريحات "خطيرة جداً وغير لائقة وغير مقبولة من نائب في البرلمان".
واعتبر، أنه طالما لم تُقدّم براهين على تهمة بحجم "الخيانة" والتجسس على رئيس البلاد وعائلته، فهي لا تعدو أن تكون افتعالاً لأزمة تبدو وكأنها تصفية حسابات، لاسيما أن العمل الاستعلاماتي يجب أن يبقى سرياً ويدخل في إطار الإجراءات الأمنية التي تراها السلطة المعنية مناسبة وتحترم فيها الإجراءات القانونية كاملة.
ودعا كاتب عام النقابة إلى التحلي بالمسؤولية في التصريحات، وإعلاء مصلحة المؤسسة على الرغبة في تطويع بعض الشخصيات وتخوينها، لما لذلك من عواقب على المؤسسة.