ردود أفعال ولا مبادرة
ما دام "الائتلاف الوطني" هو الجهة المعترف دوليا بتمثيلها السياسي للشعب السوري، فإن وضعه هذا يلزمه بإنجاز أمرين:
أن يصير الاعتراف الدولي به قانونياً فقط، لأن الاعتراف القانوني يحله محل النظام في مؤسسات الشرعية الدولية والإقليمية والعربية، ويمنحه حقوقه ويلزمه بواجباته، ويجعله الممثل الوحيد لشعب سورية، والمخول بإدارة دولتها، والتعبير عن مواقفها ومصالحها.
أن يكون الطرف الذي يطور مبادرات وأفكاراً تتعلق بالحل السياسي للقضية السورية، بدل أن يكون الطرف الأقل تفاعلاً مع ما يقدم على الساحات الخارجية من حلول، والأقل تأثيراً عليها.
بقول آخر: لا بد من أن يهجر "الائتلاف" السياسات التي تقوم على ردود الأفعال، ويحرص على ألا تأتي ردود أفعاله متأخرة، وناقصة أو متناقضة، بما أن إعلاناته الرسمية عن مواقفه ليست منتظمة، ولا تصدر غالباً عن الناطق الرسمي باسمه، الغائب، معظم الوقت، عن شؤونه ومهمته. في حين يشرّق كل عضو فيه ويغرّب على هواه، ويجتهد "على كيفه"، حتى في أخطر القضايا، وسط افتقار الائتلاف إلى عادة "سيئة"، هي إصدار بيانات رسمية حول القضايا السورية العادية أو الطارئة، وغيابه "الحميد" عن تقاليد عمل عام، تأخذ بها جميع التنظيمات الناشطة في حقل وطني مفتوح، وتتجلى في متابعة الأحداث أولا بأول، واتخاذ مواقف معلنة وواضحة منها، بعد نقاش موسع داخلها، يعبر فيه الجميع عن معلوماتهم واجتهاداتهم ووجهات نظرهم الخاصة، لكنهم يتفاهمون، في نهاية النقاش، على موقف يلزم كل عضو ائتلافي، إلا إذا كان عارضه خلال النقاش، وتمسك بحقه في معارضته بعد إقراره. عندئذ، يكون من واجبه التأكيد في أحاديثه الإعلامية والخاصة على أن ما يقوله ليس موقف الائتلاف، بل هو موقفه الشخصي.
وقد كانت هناك دوماً حاجة إلى قيام "الائتلاف" بمتابعة متأنية ودقيقة ما قد يكون مطروحا للحوار من سيناريوهات خاصة بالحل السياسي في سورية، ليبادر إلى تقديم تصوراته حولها حتى قبل إعلانها، ويؤثر في مضمونها والأطراف التي قد تتخذ موقفا منها، ويكون الجهة التي بادرت، بينما قام غيرها بخطواته متأخراً عنها. الخيار الثاني أن تعقد قيادة الائتلاف جلسات تناقش سائر احتمالات ونتائج الصراع الدائر في سورية، وتضع سيناريوهات حلول متنوعة، تتقاطع معها، شريطة اتفاقها مع المصالح العليا للشعب السوري ومطالبته بحريته، وإفادتها على خير وجه من الحلول والتصورات الدولية المطروحة حيال تسويات الصراع المحتملة، وتمر بآلية معينة، تبدأ بمواقف متناقضة ثم تتقارب تدريجياً لتلتقي، في النهاية، على حل يلبي المشترك من مصالحها، أو مصلحة القوة المتغلبة منها. وفي الحالتين، يكون على الائتلاف أن يبقى، كوالد الصبي، في موقع المبادر إلى التأثير على الآخرين، عبر صياغة حل يقبلونه، أو إعلان موقف حيال ما يطرحونه، يرغمهم على أخذ مصالح ومطالب السوريين بالحسبان في ما يفعلونه، أو يريدون تحقيقه من حلول. لكن، مثل هذه العادة "اللعينة" لا وجود لها فيه، بل هناك "مطبخ سري" محدود العدد من أعضائه، يتولى تقرير ردود أفعاله على مبادرات الآخرين، وتعيين موقفه بما يقترحه هؤلاء، بدل مبادرته هو إلى تعيين مواقفهم بما يعلنه من حلول، يجب أن تحقق تفاوضياً ما يقاتل في سبيل تحقيقه من أهداف عبر المقاومة المسلحة.
لا شماتة: من يراقب ردود أفعال الائتلاف على مبادرة دي مستورا سيضع يده على سلوك الائتلاف: بدل مواجهتها بخطة مقابلة، يتم الاكتفاء بردود أفعال متقطعة عليها.