ردع غير دبلوماسي لطهران

05 أكتوبر 2015
+ الخط -
في يوم واحد، قرّرت البحرين واليمن خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إيران، في خطوةٍ تعكس استياء بالغاً من التحركات الإيرانية التي وصفها البلدان بتدخل سافر في الشؤون الداخلية. وصل إلى حد ترتيب ودعم عمليات تخريب وعنف مسلح. تزامُن قرار قطع العلاقات وطرد السفراء له دلالة إلى نفاد الصبر العربي في أكثر من دولة. وربما تلحق دول أخرى باليمن والبحرين، وتتخذ إجراءات مشابهة. 

يمتد الانخراط الإيراني في الشأن اليمني إلى أكثر من عقدين، عندما عاد يحيى بدر الدين الحوثي من طهران، محملاً بأفكار سياسية وتحولات عقيدية كانت سبباً في إحداث شرخ في العلاقة بين الحوثيين ونظام علي عبدالله صالح الذي لم يأل جهداً في إضاعة كل فرص التنمية وإفقار اليمنيين جميعاً من دون استثناء. فكانت المساعدات الإيرانية سبيل الحوثيين للاستقواء ومواجهة السلطة عسكرياً سنواتٍ متتالية. ثم جاءت الثورة اليمنية ليتحالف صالح والحوثيون معاً ضدها، ثم لإفشال المبادرة الخليجية لإنقاذ اليمن، ما فتح الباب واسعاً أمام إيران للتدخل المباشر في الوضع الميداني.
في البحرين، هناك ميراث طويل من العداء والتوتر بين البلدين، على خلفية محورين شديدي الخطورة، الأول المزاعم الإيرانية بحقوق تاريخية في المملكة، بل واعتبارها محافظة إيرانية سابقة، انتزعت في ظروف محددة بواسطة الاستعمار. الثاني الارتباطات التي تجمع بعض فصائل المعارضة البحرينية بإيران، على المستويين، العقائدي/ المذهب والسياسي الحركي. وطالما شكت المنامة من التأثيرات السلبية لتلك الروابط، سواء في المطالب الاجتماعية والخدمية للبحرينيين الشيعة، أو في الأداء السياسي للتنظيمات والجماعات التي تعبّر عن أولئك المواطنين الشيعة، وتتبنى مطالبهم ومواقفهم، وتقوم بتسييسها.
وفي الأعوام الأخيرة، وقعت أحداث عنف متعددة، بعضها في شكل عمليات تخريب مباشرة تستهدف منشآت، وأخرى تجسدت في اشتباكات بين قوات الأمن ومتظاهرين ومعارضين. ولم تكن طهران بعيدة عن دائرة الاشتباه بالضلوع في بعض تلك الأعمال، بأشكال ودرجات متفاوتة.
ولا يقتصر الأمر على اليمن والبحرين، ففي دول عربية عدة، التحركات الإيرانية شاملة ومتنوعة وممتدة. حيث تتبع طهران دائماً سياسة النفس الطويل، بإيجاد نقاط تمركز وزرع أذرع واستقطاب وكلاء لها داخل المجتمعات الأخرى. ثم تجني حصاد تلك السياسة على المديين، المتوسط والبعيد. إنها طريقة صناعة السجاد الإيراني الذي قد يستغرق سنواتٍ، قبل أن تظهر ملامحه، وتتجسد في منظر شديد الجمال والتعقيد معاً.
السؤال، إلى أي مدى يمكن لسحب السفراء وطردهم أن "يردع" إيران، أو يجبرها على تعديل سياساتها وتحركاتها تجاه الشعوب والمجتمعات، وليس فقط الحكومات العربية؟ فالعقوبات التي استمرت عقوداً، وتطورت من سياسية إلى دبلوماسية إلى اقتصادية، لم تنجح في تعديل سياسات إيران، أو كسر إرادتها. وفي المجال الدبلوماسي تحديداً، تعرضت طهران مراراً إلى إجراءاتٍ عقابية مشابهة، وأحياناً أكثر قسوة، ولم تغيّر سياساتها يوماً. لذا، على الدول العربية أن تبحث عن وسائل أخرى ومداخل جديدة لمواجهة طهران، والاستفادة من التجارب السابقة التي لم تردع إيران، ولم تحم المجتمعات والدول العربية من أذرعها وتدخلاتها.
يتعامل العرب مع إيران بطريقة رد الفعل، والإجراءات العقابية التي غالباً ما تكون سياسية أو دبلوماسية. بينما يجب أن ينطلق النهج الفعال من المعاملة بالمثل، واستباقاً لا لحاقاً. لدى إيران مشكلة كبيرة في الأقليات العرقية والقومية والمذهبية، فليستغل العرب ذلك التباين الديمغرافي، في بناء جسور وروابط مع السنة والبلوش وغيرهم. بقنوات وأدوات ثقافية وفكرية وخدمية، كما تفعل إيران تماماً. وفي الداخل العربي، تتعامل طهران مع مكونات مجتمعية معينة، فتغذي مطالبها، وتستفيد من مشكلاتها. والحل ليس فقط بعقاب بروتوكولي. وإنما بمعالجة الأوضاع الداخلية، اقتصادياً وثقافياً وسياسياً، وليس فقط أمنياً. المعالجة الشاملة هي التي تجفّف منابع التدخل الخارجي، الإيراني وغيره.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.