رداً على سبهان آدم: الفنان البرّي فوق النقد؟

11 يونيو 2017
عمل لـ سبهان آدم (2013)
+ الخط -

هل اعتاد الفنان سبهان آدم، كغيره من فنانينا، سماع عبارات الإعجاب والمديح دون غيرها؟ ففي الحقيقة لا أعرف سبب غضبه الواضح من مقالتنا عنه وفيها من الإطراء والإعجاب بشخصه وبعمله أكثر مما فيها من النقد. قرأتُ ردّه الذي نُشر على صفحات "العربي الجديد" الثقافية (29 أيار/مايو 2017)، وخلتُ نفسي وكأنني في ساحة نزال.

فيا ليته، وهو يبحث في شبكة الإنترنت عن المفردات التي ذكرها عن أعمالي في ردّه، قد قرأ ما صرّحتُ به سابقاً عن تجربته حين قلت لموقع "اكتشف سوريا" وهو من أوائل المواقع المتخصصة أنني "أحب لوحة سبهان آدم، فهو يتمتع بامتلاكه هامشاً كبيراً من الحرية والصدق في تعاطيه مع عمله الفني، الأمر الذي لا نجده عند كثير من المصوّرين" وكنت أنا من "فتح سيرته" لا الصحافي.

وسؤالي: هل أن أعمالك هي أعمال كاملة لا يمكننا أن ننتقدها؟ هل هي فوق النقد؟ وهل دور من يكتب في الفن أن يكتب إعجابه أو أن يصمت؟

بدأت المقالة من فكرة محدّدة، ألا وهي أن مقابل كل ما يكتب عن تجربتك من مديح، هناك انتقادات لم تُكتب وإنما نسمعها من فنانين مرموقين، ولو كنت أكتب لمجلة للموضة أو لوسيلة إعلامية خفيفة مثلاً، لذكرت الأسماء لصنع "خبطة" صحافية، ولكنني أتعامل مع الكتابة بجدية وحرفية ما استطعت ولا أبتغي التشهير وافتعال العداوات بين الأشخاص، وهم زملاء لنا كلينا.

لقد ذكرتُ ما يتردّد عن لوحتك وحاولتُ أن أفسّره بناءً على الأعمال، كما أنني أعطيت رأيي الشخصي وكان في أغلبه إيجابياً بالنسبة إليك حين تحدّثت في المقالة، عن حرية الفنان في عمله وطريقة تفكيره التي تُحصّنه.

وتلك الحرية التي نجدها واضحة في خطوطك وضربات ريشتك وليدة اللحظة، والتي تُخرجها إلينا بكل عفويتها بلا حذر. كما تكلّمت عن الشغف الذي تعمل به والذي يحصّنك طبعاً... أما ما كُتب من نقد سلبي، وقد رددت عليه حضرتك، فنترك للنقاد والباحثين والمهتمّين خياراتهم في تبني الأفكار المطروحة التي يرونها صحيحة حين يتناولون أعمالك في كتاباتهم مستقبلاً.

أدعوك مجدّداً، وبعيداً عن الأحكام المسبقة، لقراءة المقدمة التي بدأتُ بها المقالة، لتجد أنني لا أغمز لشرائك أحداً، ولم أقل أنك منعتَ أحداً من الكتابة ولا أحمل لك ضغينة كما كتبتَ. ولكن إن كنت متابعاً حقيقياً لما يُكتب في هذا المجال لوجدت أن النقد السلبي لأي فنان سوري أو حتى عربي في صحفنا ومجلاتنا لا يتجاوز خمسة بالمئة من مقالات الإعجاب أو الحيادية على الأقل التي تكتب عنه. وأكرّر أن هذا ليس سليماً ولا صحّياً. ومن أهداف مقالتي تلك أيضاً هي التحريض على النقد والمناقشة من باب الحرص على التقدّم.

ولدي سؤال بالمرة عن الجملة التي أوردتها في ردّك، وهي عن وصف أدونيس تجربتك بأنها "انفجار في أحشاء الفن العربي الإسلامي" فأسأل ما هي علاقة فنك بالفن العربي الإسلامي؟ فأنا شخصياً لا أجد أي رابط بين ما تنجزه من أعمال فنية وما بين الفن العربي الإسلامي، لا على صعيد التقنية ولا الحامل ولا الفكر أو المنطق.

هل يعني أدونيس أن لوحتك تؤسس لفن عربي إسلامي جديد؟ كيف يكون عملك عربياً إسلامياً وما هي خصائصه وأين نجدها في لوحاتك، في عصر العولمة والعصر الذي أصبح فيه فن لوحة الحامل التي نمارسها فناً يهتز أمام قدوم أساليب تعبير جديدة تحتل الساحات؟

الأستاذ آدم، كونك فناناً عصامياً، استطعت تحقيق حضور ملفت في مجالك، وهذا ما ذكرناه في المقالة، فهذا لا يعني أن خرّيجي الجامعات لا ينتجون فناً يضاهي فنك. هذا إجحاف وتعالٍ لا مبرّر له.

تقول "لكنني كنتُ هارباً كحصان برّي وما زلت من إصطبل المدارس والجامعات والمعاهد التي تركتها لمن لا يستطيعون العيش والرسم بدونها"، ألم يتخرّج أدونيس (أورده كمثال لشخص يستند إلى دراسته الأكاديمية وبالطبع اجتهاده) وفاتح المدرّس مثلاً من المدارس والجامعات وكذلك عبدلكي وشهدا ومصطفى علي؟ هذه الأمكنة ليست باصطبلات فهي تعلّم مِمّا تعلمه القراءة الصحيحة والكتابة الواعية كما تشذب السلوك البريّ أيضاً.

أما بالنسبة لما كتبته عني وعن أعمالي، فأولاً أود أن أقول لك أن ليس كل من يسكن في ألمانيا هو في برلين. برلين هي العاصمة. ولوحاتي تُعرض حالياً على بعد عشرين دقيقة من مرسمك، إن أردت فاذهب وأعطنا شواهد عن "استنساخ أعمال أبو صبحي التيناوي وبرهان كركوتلي" كما تقول أو عن "النفس الاستشراقي السياحي" أو عن "الكولاج وتقنيات الحاسوب" لربما نستفيد من آرائك.

وهل يعني استعمال مفردات من الفن الشعبي من وقت لآخر استنساخاً؟ يجب أن تنتبه أن من القرّاء من يبحث ويُعمل تفكيره أثناء وبعد القراءة

كما لا أعرف إن كنت تكتب هنا رداً على مقالتي لدحض ما تناولته سلباً في تجربتك أم أنك تتناول الأمور من جهة شخصية؟ كان بإمكانك إيراد مثال آخر غير لوحاتي لو أنك لا تريد شخصنة الأمور. لك أن تكتب إن شئت عنها بالطبع ولكن ليس في الرد. على كلٍ، لن ألوم هذه القراءة، فأنت ابن البيئة نفسها ونمط التفكير نفسه التي تربّينا عليه جميعنا. أما عن البابا غنوج فسنعتبرها جميعنا أنها الضربة التي ردّتْ لك اعتبارك وحملت لك النصر في الحلبة الوهمية التي اخترعتها.


* فنان تشكيلي سوري

دلالات
المساهمون