ابن المدينة الإيطالية نابولي، يغادرها مع عائلته في العام 1940، ثم يلحق بوالده، الصناعيّ الذي يفقد كلّ شيء بسبب تلك الحرب، إلى أميركا الجنوبية، بدايةً إلى ريو دي جانيرو، حيث يتابع دراسته الابتدائية والتكميلية، ويخوض في أكثر من مهنة (مكتبة، معمل، إلخ.).
بعد ذلك بوقتٍ قليل، يخوض تجربة أرجنتينية لن تختلف كثيراً عن أيامه البرازيلية، ثم يعود إلى إيطاليا، مطلع عشرينياته.
إنه كارلو بيدرزولي، المعروف أكثر باسم باد سبنسر. الممثل الهزليّ، الذي يُشكّل مع تيرينس هيل (1939) ثنائياً يحتلّ شاشات السينما أعواماً مديدة، وتاريخاً طويلاً، بأفلامٍ تمتد من الـ "وسترن سباغيتي" إلى الكوميديا البوليسية، يرحل الاثنين عن 87 عاماً.
لكن سبنسر، المولود في عائلة بورجوازية، في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 1929، يبدأ حياته رياضياً ناجحاً، خصوصاً في السباحة. الصحيفة الرياضية الفرنسية "الفريق" (L’equipe) تقول إنه يحتلّ مراتب عالية في هذا المجال، مشيرةً إلى أنه، في 19 سبتمبر/ أيلول 1950، يُصبح الإيطالي الأول الذي يُمضي أقلّ من دقيقة واحدة (59.5 ثانية) في عمق 100 متر، قبل أن يُقدِّم رقماً قياسياً جديداً لإيطاليا، هو 58.2 ثانية، الذي يحتفظ به ثلاثة أعوام.
كما أنه يحصل على سبع بطولات وطنية، ويبلغ المرتبة الثانية في ألعاب البحر المتوسط، بعد الفرنسي ألكس جامي، عام 1951.
في الرياضة أيضاً، يمارس لعبة الـ بولو" المائية، التي ينال فيها لقب "بطل إيطاليا"، عام 1954، و"ميدالية ذهبية" في ألعاب البحر المتوسّط عام 1955. في بطولة الـ 100 متر، يتأهّل مرتين للألعاب الأولمبية، في دورتي 1952 و1956، من دون أن يتجاوز نصف النهائي أبداً.
عام 1956، تستضيفه جامعة "يال" في الولاية الأميركية "كونكتيكت"، بسبب أدائه الرياضي، لكنه "يضجر" من التعامل معه كـ "رياضيّ هاوٍ"، فيعود إلى أميركا الجنوبية مجدّداً، وتحديداً إلى فنزويلا، حيث يقود فريق عمل لتأسيس شبكة طرقات عابرة للقارة الأميركية.
بعيداً عن الرياضة، في بداية الخمسينيات نفسها، يبدأ رحلته السينمائية في استديو "سينيسيتا" (مدينة السينما) في روما، ممثلاً في أفلام ملحمية، كـ "كو فاديس" (1951) لمرفين لوروي. لن يُذكر اسمه في "جينيريك" عدد منها، في حين أن الرياضة والسفر يُشغلانه كثيراً، قبل عودته الأخيرة إلى روما، مطلع الستينيات، والانخراط في أعمال تجعله أحد أبرز نجوم الكوميديا والهزليات الساخرة، منطلقاً في هذا المجال مع المخرج غويسيبي كوليزي في "الله يُسامح.. أنا لا" (1967)، ومرتكزاً على طوله الفارع (1.90 متر): في الغرب الأميركي، يُطارد لاعب بوكر ومحقّق لدى شركة تأمين أفراد عصابة يسرقون مبلغاً كبيراً من المال.
مع تيرينس هيل، يُمثّل في 17 فيلماً، بين عامي 1967 و1994. لن يكترثا بمسألة أساسية، تكمن في خطورة تلقّيهما لكمات، حادة أحياناً، على أعلى رأسيهما. لكنهما، معاً، يُصبحان الأشهر في فنون الإضحاك والكوميديا والسخرية، خصوصاً أن سبنسر، كما يقول المنتج ماتياس ويندلاند، لا يهتمّ بشيء، لكونه معنياً بـ "فعل التسلية"، على خلاف هيل، الملتزم بالحوارات.
هذا يعني أن سبنسر يمتلك "موهبة" الارتجال، فيُضفي على السياق والنص معاً بعضاً من نكهته الهزلية الخاصّة به، وشيئاً من حركاتٍ يختزلها بتلك النظرات التي يُفترض بها أن تكون حادّة وذات معنى عنفي إزاء الآخر، لكنها تبقى مجرّد نظرات تتلاءم وجسده الضخم، وطريقة إمساكه بالسيجار الإيطالي أيضاً.
الثنائيّ هذا سيعرف ذروة النجاح الجماهيري في "يسمّونها ترينيتا" (1970) لإنزو باربوني: راعي بقر وحيد، لديه تسديدات جيدة عند إطلاقه الرصاص من مسدسه، يلتقي شقيقه الذي يُصبح "شريف" (Sherif) البلدة، كي يسرقا أحصنة رجلٍ، يريد طرد أناس منتمين إلى الـ "مورمون" من أرضه.
يُمكن اعتبار أفلامه امتداداً لتاريخه الرياضي القديم، إذْ يرفض استبداله بمحترفي ركوب المخاطر، حتى مطلع التسعينيات. لكنه لن يقف أمام الكاميرا السينمائية، بعد فيلمه الأخير "عندما نغنّي وراء الشاشات" (2004) لإرمانّو أولمي: داخل بيت دعارة صيني، قبطان عجوز يروي حكاية القرصانة المشهورة شينغ شي، أرملة القبطان شينغ.
في النهاية، يُبقي باد سبنسر أكثر من أربعين فيلماً، بعضها يؤدّي فيه أدواراً باسمه الحقيقي كارلو بيدرزولي، خصوصاً في بداياته السينمائية. ويُبقي، بالتالي، ملامح رجلٍ تأخذه النجومية إلى مكانةٍ ثابتة في ذاكرة كثيرين ووجدانهم، أولئك الذين يعرفونه جيداً في مراحل عمرية متنوّعة، يمرّون فيها، برفقته هو تحديداً، أو هو وشريكه الدائم تيرينس هيل.
(العربي الجديد)