حين نتابع التجربة الفنية الطويلة للفنان التشكيلي التونسي الهادي التركي (1922-2019)، الذي رحل أمس الأحد، لا يمكن إلا أن نتوقّف عند إشكالية شهرة الفنان في البيئة العربية، حيث أن التركي يعدّ بلا منازع أحد أشهر الفنانين التشكيليين في بلاده، غير أن هذه الشهرة لا تحظى بها لوحاته أو منجزه الفني، وإنما تعود أسبابها إلى حضور الفنان تلفزيونياً، خصوصاً حين يُدعى للحديث عن تجميع التونسيين بنبرة أبوية، أو حين يعمل الإعلاميون على إبراز عفويته وطرافته. حالة التركي تضيء، بشكل حاد، ذلك التناول التسطيحي للفن التشكيلي في الإعلام، ما يجعل التواصل بين الفن والجمهور الواسع شبه مستحيل.
درس التركي فن الرسم في "أكاديمية روما للفنون الجميلة" في أواسط الخمسينيات، وفي نهايتها اتجه صوب الولايات المتحدة حيث تعرّف على فضاء فنّي صاخب كان له أثر حاسم في إطلاق تجربته، وهو ما يفسّر حضور الخطوط كعنصر رئيسي في فنّه تأثراً بتجربة جاكسون بولوك.
ترافقت هذه العودة مع تسلّمه لمهام أكاديمية، ستستمر إلى نهاية الثمانينيات، وذلك سبب آخر وضعه في موقع أساسي من المشهد التشكيلي حيث ترافقت الممارسة الفنية مع الجانب التنظيري في سبيل تجديد اللغة البصرية للفن التشكيلي في تونس بعد أن هيمنت عليها لعقود مفردات الفولكلور والمشاهد الطبيعية.
على خلاف تجارب أخرى، كانت قطيعة التركي غير صادمة حيث أنها استلهمت نفس الثيمات وطوّرتها إلى آفاق جديدة دون الاصطدام مع الأجيال السابقة ومع ذائقة التقبّل التونسية أو الغربية، فهو وإن اشتغل بالأساس على أدوات الفن التجريدي ظلّ يقدّم لوحات ضمن معايير ما عُرف بـ"مدرسة تونس" يعود إلى ثيماتها الكبرى وهي مشاهد الحياة اليومية وتحوّلاتها بين عصر وآخر في هندام الناس وفي المعمار.
كان الهادي التركي أيضاً من فنّاني بلدة سيدي بوسعيد، بالقرب من تونس العاصمة، فقد كان يقطنها على عادة أعضاء "مدرسة تونس"، ويَعرض فيها بانتظام، وكان إلى ذلك ذاكرتها الفنية، فقد رافقها وهي تتحوّل من قرية صغيرة إلى ملاذ للفنانين، ثم إلى موقع سياحي.
في 2010، جرى تنظيم معرض يستعيد تجربة التركي. كثيرة هي اللوحات التي كانت تهزّ كلّ فكرة جاهزة عن الفنان، فمن تصوّره فناناً تقليدياً وجد الكثير من التجريب الحداثي، ومن اختزله في لوحات الخطوط وجد عناصر بصرية أخرى تحضر في لوحات متعدّدة، كما أن اللوحة لم تكن مجال اشتغاله الحصري، ولم تكن الألوان الزيتية خامته الوحيدة. وبشكل عام، كان الزائرون يقفون أمام لوحات مجهولة لفنان شهير.