رحلة شاقة يقطعها الفارّون من جحيم المعارك في منطقة الباغوز، آخر معاقل تنظيم "داعش"، شرق الفرات في محافظة دير الزور، إلى مخيم الهول، جنوبي مدينة الحسكة. وقصة معاناة لا تنتهي مع وصولهم إلى المخيم بظروفه السيئة وسيطرة الوحدات الانفصالية الكردية عليه.
الناشط من دير الزور محمد عبد الله يشرح، لـ"العربي الجديد"، ما يلاقيه الفارون من المعارك في المنطقة، قائلا: "الرحلة صعبة جدا على الأهالي، واستغلالهم من قبل الوحدات الكردية كبير، فيضطرون إلى دفع ما لديهم من أموال أجوراً للسيارات في بعض الأحيان، إذ يتم نقلهم بواسطة سيارات متعارف عليها أنها لنقل المواشي في المنطقة، يحتجزون فيها على طول الطريق للوصول إلى المخيم".
ويقول عبد الله: "هناك طريقان من منطقة الباغوز باتجاه المخيم، أحدهما طريق موازٍ للحدود السورية العراقية، وهذا الطريق يبلغ طوله نحو 150 كيلومترا، والطريق الآخر يقارب طوله الـ300 كيلومتر، وهو يتعرج بين بلدات وقرى دير الزور وصولا إلى مخيم الهول في ريف الحسكة الجنوبي، وطبعا هذه الرحلة شاقة جداً".
ويتابع عبد الله "المصيبة في الطريق أن الأطفال الرضع هم الضحية الأولى، فلا يحتملون ظروف النقل القاسية هذه، فالزحام شديد في سيارات النقل المغلقة، يضيق نفَس الشخص البالغ فيها، فكيف يتحمل الطفل هذه المشقة، عدا عن أولئك الذين يقطعون عشرات الكيلومترات سيرا على الأقدام، ويقعون ضحايا الألغام".
ويشير إلى أن "الوحدات الكردية تمنع عودة الأهالي إلى المناطق التي انسحب منها التنظيم تحت ذريعة إزالة الألغام، وهذه القرى هي في الأصل مدمرة وليست فيها ألغام أو ما شابه، وإنما الغاية الأولى لهم هي تعفيش ما يوجد فيها، متّبعين أسلوب النظام السوري في ذلك، وخير مثال على ذلك ما يحدث في بلدة الكشكية، حيث يمنع أهلها من العودة إليها في الوقت الحالي، وقد مضى أكثر من شهر على انسحاب تنظيم داعش منها".
وأصيب، يوم أمس الأحد، 16 شخصا بانفجار في مستودع للغاز المنزلي داخل مخيم الهول، ونقلوا إلى مشافي مدينة الحسكة، بحسب الهلال الأحمر الكردي. وتدخلت 3 سيارات إطفاء لإخماد الحريق داخل المخيم.
ومع استمرار وصول دفعات جديدة من النازحين إلى المخيم كان آخرها قرابة 900 نازح، بيّنت الإحصائيات الأخيرة أن عدد النازحين في مخيم الهول تجاوز 39 ألفا.
ويقول النازح سلامة العلي، من منطقة هجين، لـ"العربي الجديد": "عشنا الموت خلال وجودنا في المنطقة، كنا نهرب من بلدة إلى بلدة حتى وصلنا إلى مكان آمن، النوم فارقنا أياماً عديدة، ولم نكن نجد مكانا نلتقط فيه أنفاسنا، نقلونا بالسيارات إلى المخيم، ورحلتنا كانت قاسية".
ويضيف "الآن في المخيم ننعم بشيء من الأمن بعيدا عن القصف وغارات الطيران، لا تهمني ملابسي المتسخة ولا التراب الذي يغطي جسدي، إنما يهمني خروج أولادي الصغار إلى بر الأمان، فالمخيم مهما كان قاسيا فهو أهون عليّ وعليهم مما عانيناه خلال القصف".
ويشير النازح وضاح أبو هادي، إلى أن "التعب والمرض والخوف ترتسم على وجوه الجميع، وعند الوصول إلى المخيم أخذوا أسماء الجميع، النساء والأطفال كانوا في مجموعات، والرجال في مجموعات أخرى، وبدأوا بالتحقيق مع الرجال. وتشرف المليشيات الكردية على عملية التحقيق وفرز الوافدين على قطاعات المخيم".
ويضيف أبو هادي: "أشعر بأننا أمضينا أعواماً في تلك الحرب، واليوم خرجنا لحياة جديدة، لكن على ما يبدو فإن المشقات لن تنتهي هنا، وكأن مخيم الهول أصبح نقطة لحشر الناس والتحكم فيهم. قالوا لنا إن الأمم المتحدة ستوفر لنا كل شيء، ولكن حتى الآن نحن ننتظر، ولكني لا أعلق الآمال أبدا على هذا، وإنما أريد العودة إلى بلدتي عندما يتاح لي ذلك".