أبقت الدراسات التي تناولت الاستشراق منذ إدوارد سعيد، المستشرقين الألمان، خارج المتن الأساسي لدراسات الغرب لتاريخ الشرق وأدبه ولغته وثقافته، وإن لم يخرجوا عن المركزية الأوروبية في العديد من قراءاتهم، لكنها ظلّت غير مرتبطة بواقع استعماري، وتشبّعت إلى حد ما بمنهجية علمية.
ينظم "المعهد الفرنسي للدراسات الشرقية" في العاصمة المصرية عند الخامسة من مساء السبت المقبل، حلقة علمية بعنوان "ألفان وخمسمائة مخطوط تصل إلى ألمانيا: أولريش ياسبر سيتزن في القاهرة بين عاميْ 1807 و1809 وتأسيس مجموعة غوتا للمخطوطات العربية"، بالتعاون كلية الآداب في "جامعة كفر الشيخ".
تأتي الجلسة ضمن سلسلة لقاءات يعقدها المعهد بعنوان "قراءات فى الوثائق التاريخية المصرية، من العصور الوسطى وحتى العصر الحديث"، ويتحدث فيها كلّ من الأكاديمي ألبريخت فوس من "جامعة ماربورج الألمانية"، وفريدريك أبيكاسيس من المعهد، ومجدي جرجس من الجامعة.
يقف المشاركون عند الرحالة الالماني سيتزن (1767 – 1811) الذي بدأ رحلاته إلى الشرق مطلع القرن التاسع عشر بعد حصوله على دعم بعض الأثرياء في ولايته التي كانت خاضعة لحكم القيصر الروسي، منطلقاً من القسطنطينية، ثم توّجه بعد ذلك إلى حلب ودمشق، حيث تعلّم اللغة العربية هناك، وسافر إلى مصر مروراً بالأردن وفلسطين، ومنها إلى الجزيرة العربية.
اقترب كثيراً من سكّان المنطقة وتعلّم الكثير من عاداتهم وتقاليدهم، كما خصّص جزءاً كبيراً من رحلاته لدراسة الدين الإسلامي، وتنقل بين جدة وينبع وحواضر الحجاز خلال فترة كانت فيها تحت سيطرة المملكة السعودية الأولى (1744 – 1818)، والتي توقّفت خلالها قوافل الحج القادمة من الشام ومصر.
دوّن سيتزن العديد من الكتابات حول رحلاته إلى الديار المقدسة، ووصف فيها أدق التفاصيل وطبيعة الحياة التي يعيشها الناس هناك، ورسم العديد من الخرائط لتلك الأماكن التي كانت موضع اهتمام الدوائر الأكاديمية والسياسية أيضاً، بحكم الصراع مع الدولة العثمانية.
زار أيضاً مناطق عديدة في جنوب الجزيرة واليمن، وكان يخطّط لزيارة مسقط لكنه لم يصل إليها، ووضع مذكراته وكان يبعث مراسلاته بانتظام إلى أوروبا، كما استطاع أن ينقل حوالي ألفين وسبعمئة مخطوطة ستساهم لاحقاً في تأسيس "مكتبة غوته العربية" في ألمانيا، وتضمّنت مؤلّفات لابن الوردي وحنا الطبيب وابن الجزري وعبد الرحمن الجوزي ونسخ من القرآن.