يتبادر للأذهان عندما نتحدث عن العنف الأسري بأن المرأة هي الضحية، لكن في الواقع يتعرض الرجال للعنف في بيوتهم، وتمعن بعض النساء في إيذاء شريكها نفسياً وجسدياً، إما لأسباب تعود لشخصية وظروف الزوج، أو نتيجة تربيتها وطرق التعامل العنيف معها منذ طفولتها، أو كردّة فعلٍ على عنف زوجها تجاهها.
وإذا كان العنف الأسري مرفوضاً بغضّ النظر عن مرتكبه، إلا أن الصورة العامة في مجتمعاتنا تركز على العنف المرتكب بحق المرأة، في حين تتغاضى عن العنف الذي يطال الرجل داخل منزله. فالرجل المعنَّف هو بنظر مجتمعه صاحب الشخصية الضعيفة، غير القادر على الإمساك بزمام أمور بيته وأسرته.
40 في المائة من حوادث العنف المنزلي في المملكة المتحدة ضحاياها من الرجال. وقد زاد عدد الرجال المعنفين من زوجاتهم عن عدد النساء المعنفات من قبل أزواجهنّ في المملكة المتحدة في العام 2012. في حين أن واحدة من ثلاث حالات عنف منزلي يكون الرجل ضحيتها في الولايات المتحدة. بينما تبلغ النسبة في أستراليا حالة واحدة بين كل خمس حالات عنف أسري، وفقاً للشرطة الأسترالية في العام 2014.
وتشير الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال أن أكثر من 12 ألف رجل في المغرب يتعرضون للعنف من قبل زوجاتهم، يصل في بعض الحالات إلى الإيذاء الجسدي باستعمال آلات حادة. في حين كشفت دراسة ميدانية للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بالقاهرة أن 30 بالمائة من الزوجات المصريات يمارسن العنف ضد أزواجهن. وأظهرت دراسة اجتماعية أن حوالى 10 بالمائة من النساء التونسيات يضربن أزواجهن، و30 بالمائة يعتدين على شركائهن بالعنف اللفظي. كما بلغت نسبة الكويتيات اللاتي يضربن أزواجهن 10 بالمائة، وفي السعودية 5 بالمائة.
كيف تعنّف النساء أزواجهن؟
قد لا تملك كل النساء المتسلطات والعنيفات عضلات قوية وبنية جسدية تمكنهنّ من مواجهة أزواجهنّ وجهاً لوجه، عندها ستتحايل حتى تصيبه بالضرر المباشر الجسدي والمعنوي انتقاماً منه لعدة أسباب.
وتعدّد الاستشارية جين سيغال في موقعها Helpguide أشكال العنف الذي تمارسه المرأة بحق زوجها، مثل الركل والعض والبصق واللكم ورمي الأشياء وتدمير ممتلكاته وأغراضه الشخصية، كما تستغل أحياناً ضعفها الجسدي فتعتدي على زوجها وهو نائم أو في لحظة عدم انتباهه.
ويشير الموقع إلى أن النساء قد يستخدمن أدوات تساعدهن على تعنيف أزواجهن، مثل سكين أو سلاح أو عبر رميه بأشياء قد تصيبه وتؤذيه، أو قد تهدده بأطفاله أو بأحد والديه، أو ربما تؤذي حيوانه الأليف.
وقد تعمد المرأة للعنف اللفظي، فتوجه كلاماً مؤذياً ومذلاً لزوجها أمام أولاده أو أقربائه وعائلته، أو أمام أصدقائه وزملاء العمل، وبما أن الفضاء الإلكتروني بات مفتوحاً، فتقدم المرأة المعنِّفة على تصوير زوجها في مشاهد مذلة أو مواقف محرجة وتنشرها على الانترنت بهدف الانتقاص من قدره علانية.
ومن أشكال تعنيف الرجل الاتهام الدائم له مباشرة وعلانية بأنه خائن وغير مخلص، مع غياب الدليل الذي يثبت ذلك، ويتفاقم الأمر لدى هؤلاء النساء عندما لا يظهر الرجل غيرته على زوجته. وفي حالات كثيرة لا يجدي نفي الرجل واعتراضه على هذه الاتهامات نفعاً، ويستمر هذا النوع من التعنيف دون طائل.
ويشير الموقع إلى أن التحكم بتحركات الزوج وتقييد حركته بقصد سلب حريته مثل إخفاء مفاتيح سيارته، أو حجزه داخل غرفته وإقفال الأبواب، أو إخفاء أدويته التي عليه أن يأخذها لدواعٍ صحية، هو تعنيف مباشر يقصد به الأذية الصحية والمعنوية.
وأحد أشكال التعنيف يتمثل بالتدقيق بمصاريف الرجل المالية ومراقبة ما ينفقه، وبالتالي لجوء بعض النساء إلى التحكم بالمصاريف المالية والتصرف بالمال لحاجاتهنّ الشخصية على حساب العائلة، بهدف التنكيد على الزوج والانتقام منه وإبقائه تحت السيطرة.
وتعمد بعض النساء إلى تعنيف زوجها وإذلاله في حال فشله الوظيفي أو كان لديه عجز جنسي أو أمراض تؤثر على علاقتهما الزوجية، فيعمدن إلى تشويه صورة الزوج، واختلاق الأكاذيب عن سلوكه أمام العائلة، كما قد يصل الأمر ببعضهن إلى تقديم بلاغات كاذبة للشرطة.
كما يظهر التعنيف على شكل تهديد بهجر الزوج، وحرمانه من الأولاد في حال نوى أو قرر تقديم شكوى ضد زوجته، كما تستغل النساء أحكام القانون لتستنزف الزوج مادياً في حالات الطلاق، حتى لو كان راتبها أفضل من راتبه.
مشاعر الزوج المعنَّف
عندما يتعرض الزوج للعنف للمرة الأولى يعيش حالة من الصدمة والاستغراب كما يقلق بخصوص استمرار زواجه. فإذا كان لديه الاستعداد لتحسين ظروف زواجه وتوفرت النية لدى الطرفين للخروج من الأزمة، يلجآن للاستشارة طلباً لتصحيح الخلل، وعندها يتغاضى عن العنف الذي مورس تجاهه بسبب الحفاظ على الأسرة، وتزول مشاعر الضعف المؤقت لديه إذا صار سلوك الزوجة إيجابياً.
أما إذا كان الرجل صاحب شخصية خانعة، وتجد الزوجة نفسها صاحبة القوة والسلطة داخل البيت، عندها يتخبط الرجل بمشاعره بين الضيق والندم على الزواج والذنب، ومنهم من يتقبل عنف زوجته له إذا كان لا ينجب أو لديه عجز جنسي، خوفاً من ابتعادها عنه وتركه وحيداً، فيستمر في زواجه رغم ذلك.
ويولّد ضرب الرجل لزوجته أحياناً ردة فعل عكسية، فبدل أن تبقى هي الخاضعة والمضروبة، تواجهه بالاعتداء عليه جسدياً ومعنوياً ولفظياً. أحياناً تشعر بالندم على ما فعلته لكنها قد تكرره إذا لم يتخذ زوجها الموقف الرادع.
اقرأ أيضاً:مشوار تمكين المرأة العربية لا زال طويلاً