في مارس/آذار الماضي، تعرّض جلال العبيدي (44 عاماً) لاعتداء من قبل عدد من أعوان الأمن في منطقة ابن سينا في تونس العاصمة. كان ماراً في أحد الشوارع، حين اعترضته سيارة امرأة تونسية مقيمة في ألمانيا، عمدت إلى إغلاق الطريق. أثار الأمر احتجاج جلال، فعرّضه ذلك للضرب والعنف من قبلها ومن قبل مرافقها وهو رجل شرطة، قبل أن ينضمّ إليهما زملاء له من أعوان الأمن. يُذكر أنّه أصيب بأضرار بدنية كبيرة وفقد إحدى أسنانه، بالإضافة إلى شعوره بالإهانة والظلم.
صوّر أحد المارة عملية الضرب والتعنيف، ونشر التسجيل على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فيما تناولت وسائل إعلام عديدة القضية التي أثارت امتعاض الرأي العام والمجتمع المدني، رفضاً لتصرفات الأمنيين وتواصل بعض الممارسات من انتهاك لحقوق الإنسان واعتداءات على المواطنين. في تعليق على الحادثة، أكدت وزارة الداخلية، أنّها أمرت بفتح تحقيق في تسجيل الفيديو المذكور، مشيرة إلى أنّ الإجراءات اللازمة سوف تُتّخذ في حقّ كلّ من يثبت تورّطه في الحادثة. كذلك أحيل الملف إلى القضاء للبتّ في الأمر.
الدعم الكبير الذي تلقاه العبيدي عقب الحادثة التي تعرّض لها والتي أثارت غضب المجتمع، مردّه توثيق الحادثة. لكنّ حوادث عديدة مشابهة تقع من دون أن تُوثّق، أو من دون أن تأتي تحت أنظار شهود عيان. وتؤكد منظمات حقوقية في تونس تكرّر تلك التجاوزات وتواصل الاعتداءات الأمنية على المواطنين، إما بصورة فردية مع اختلاف الأسباب والأحداث أو خلال تفريق احتجاجات اجتماعية.
قبل أسبوعين، تعرّض سمير مكاوي، عضو المكتب الجهوي لاتحاد الشغل في الكاف (شمال غرب)، للاعتداء من قبل أعوان الشرطة على إثر مسيرة سلمية نظمها أبناء الجهة للمطالبة بالتنمية والتشغيل. يقول سمير لـ"العربي الجديد" إنّه أصيب في فخذه بعد ضربه بقنبلة مسيلة للدموع، بالإضافة إلى أضرار جسدية أخرى وجروح طفيفة، "بعدما تعمّد رجال الشرطة تفريق المحتجين والاعتداء عليهم".
كذلك، تعرّض، في التاسع من أبريل/نيسان المنصرم، عدد كبير من الناشطين في لجنة قدامى الاتحاد العام لطلبة تونس والمساندين لهم في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة، للضرب والاعتداء، خلال تفريقهم بالقوة من أمام مقرّ رئاسة الحكومة في ساحة القصبة، ومنعهم من تنظيم اعتصام للمطالبة بحقّهم في التشغيل.
استنكرت المنظّمة التونسيّة لمناهضة التعذيب، العنف الذي مورس على المحتجين، مطالبة بالتحقيق البرلماني في تلك الممارسات القمعية. كذلك شدّدت على ضرورة احترام حق التظاهر من قبل الحكومة. لكنّ وزارة الداخلية أكّدت أنّها اضطرت إلى تفريق المحتجين، بعد محاولتهم اجتياز الحواجز الحديدية وتعمّدهم دفع أعوان الأمن بغرض اقتحام ساحة الحكومة. أضافت أنّهم تلقّوا تنبيهات ثلاث مرات عبر مكبّرات الصوت، تقول بضرورة إخلاء المكان والتفرّق باسم القانون، وأنّ أعوان الأمن تدخّلوا بأيد خالية لتفريقهم، من دون اللجوء إلى الغاز أو العصي. وقد نفت وقوع أيّ أضرار، لافتة إلى أنّ مجموعة منهم بادرت إلى الاعتداء بالعنف على أعوان الأمن، الأمر الذي استوجب إحاطة النيابة العمومية التي أمرت بتحرير محاضر.
من جهة أخرى، تلقّت المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، في فبراير/شباط الماضي، 25 ملفاً حول أنواع مختلفة من الانتهاكات طاولت المواطنين، أما مرتكبوها فرجال أمن. وتؤكد المنظمة أنّ شهر فبراير سجّل معدّل انتهاكات مرتفعا بالمقارنة مع الأشهر التي سبقته، فقد استغلّت حالة الطوارئ وفرض حظر التجوّل ليلاً لارتكاب انتهاكات ضدّ أشخاص يُشتبه في مخالفتهم أحكام التجوّل خلال تلك الفترة.
كذلك تشير المنظمة إلى أنّ خلال بعض مداهماتٍ للمنازل، تُرتكب فظاعات في حقّ العائلات عبر تخويف أفرادها، بالإضافة إلى الأضرار التي تُلحق بالممتلكات من دون أيّ موجب. تضيف أنّ مقدّمي الشكاوى ضدّ أعوان الأمن ما زالوا يتعرّضون لضغوط بهدف إجبارهم على التراجع عنها.
في يناير/كانون الثاني الماضي، وقعت حادثة خلال الاحتجاجات التي شهدتها البلاد، أما ضحيّتها فهو الشاب أنيس. كان يحرس محلات تجارية لأحد أقاربه، وبمرور دورية أمنيّة فتح أحد أعوان الحرس الوطني - كان ملثماً - باب السيارة وأطلق قنبلة غاز من مسافة قريبة جداً أصابت أنيس على مستوى عينه اليسرى. وبفعل الإصابة، فقد البصر تماماً في عينه. لم يحصل على تعويض طبّي من مركز الحرس الوطني في حيّ التضامن، بدعوى أنّ العون الذي أصابه مجهول الهوية، لذلك تحمّل بنفسه نفقات العلاج.
إلى ذلك، اقتحمت في الليلة الأولى من تطبيق حظر التجول في يناير الماضي، قوة من الشرطة تعدادها 30 عوناً تقريباً، منزل امرأة تدعى منانة، في جهة باب منارة في العاصمة، بحثاً عن شقيقها. وقد حطّموا تجهيزات عديدة في المنزل بالإضافة إلى الأثاث.
في هذا السياق، دعت منظمات حقوقية عديدة إلى فتح تحقيقات جدية في كلّ حالات الانتهاكات وتعويض ضرر الضحايا وتمكينهم من حقوقهم في العلاج والرعاية النفسية. وشدّدت على ضرورة تمكين ضحايا الانتهاكات من تقارير طبية تثبت الانتهاكات من دون أي تعقيدات. وقد طالبت المنظمات أيضاً بإلزام أعوان الدوريات بالتعامل المهني مع الأفراد والحالات الصعبة، وعدم اللجوء إلى العنف المجاني. وتهتم المنظمات بتوثيق حالات الانتهاكات، لكنّ الدراسات الدقيقة حول حجم الظاهرة تغيب. كثيرون هم المواطنون الذين يتعرضون لانتهاكات وعنف من قبل رجال الأمن ولا يصرّحون بذلك، مخافة التتبّع أو التهديد، وفقاً لما أشارت إليه الناشطة الحقوقية مريم منور.
على الرغم من أنّ الشارع التونسي لم يشهد احتجاجات ولا مسيرات مندّدة بالانتهاكات وتواصل الاعتداءات الأمنية، إلا أنّ مواطنين كثيرين دعوا إلى ضرورة تصوير كل انتهاك يحصل في الشارع لتوثيقه في حال كان ذلك ممكناً. كذلك كانت دعوات إلى الناشطين على صفحات التواصل الاجتماعي، لنشر كل انتهاك يرتكبه أعوان الشرطة وُثِّق بالصورة أو الفيديو.