مشوار فني طويل، لم يكن مفروشاً بالورود، قطعته الفنانة القديرة الراحلة رجاء الجداوي (1938 - 2020). لم يكن التمثيل في بداية حياتها مقصدها، ولم تسعَ يوماً إليه، رغم أنها ابنة شقيقة الفنانة الراحلة تحية كاريوكا.
بدأت الجداوي حياتها طفلةً عادية تعيش مع والدتها ووالدها حتى عمر أربع سنوات، وانتقلت بعد ذلك للعيش مع خالتها الفنانة تحية كاريوكا، حيث كانت مسؤولة عن تربية رجاء وشقيقها فاروق بعد انفصال والديهما، وأدخلتها مدارس داخلية، وكانت دائماً ما تتفاخر رجاء بأنها تربت في بيت "تحية الراقصة"، وأكدت أنها تفتخر بذلك، ولو كان بها أي شيء جيد في سماتها، فإنه يعود إلى هذه التربية الصارمة؛ حيث كانت كاريوكا لا تتهاون أبداً مع أيٍّ من أخطاء رجاء، ورغم ذلك كانت إنسانة حنونة عليها، وكانت تحية تحرص على إبعادها عن الفن، فلم تذهب، ولو مرة واحدة معها، إلى الاستوديو لمشاهدتها وهي تقوم بتصوير أيٍّ من أفلامها. وحينما تتحدث الجداوي عن سيرة خالتها في أيٍّ من لقاءاتها، كانت تبكي وتقول إن أربعة أشياء فقط يبكونها حينما تتذكرهم، هي: والدتها وخالتها وابنتها الوحيدة أميرة، ومصر.
حينما وصلت الجداوي إلى سنّ 15 عاماً، انتقلت للعيش مع والدتها بسبب ظروفها، وهنا كانت القطيعة التي استمرت عامين بينها وبين خالتها، واتهمتها تحية بالجحود، ولكن حينما مرضت الراقصة الراحلة ودخلت أحد المستشفيات، كانت بمثابة الفرصة التي انتُهِزَت لتذهب رجاء ووالدتها إليها ويجري التصالح. ولم تُبدِ تحية طوال حياتها رأيها في رجاء كممثلة إلا قبل وفاتها بعامين، بعد مسلسل "الطير الجريح"، حيث قالت لها: "إنت ممثلة كويسة، لكن في بدايتك كنت بتخرّجي الجملة بشكل غريب"، وطلبت منها، حينما تقف أمام الكاميرا أن تتعلم وتسمع الجمل الحوارية وتشعر بها ثم تخرجها من لسانها.
بعد أن اجتازت الجداوي مرحلة الطفولة، وعند دخولها في سنّ المراهقة، وبلغت عامها الـ 15، كانت تدرس في عامها الأخير في المدرسة الفرنسية، مرّت أسرتها بظروف مادية صعبة حالت دون القدرة على دفع مصروفات السنة الأخيرة، ما دفع الجداوي إلى العمل في "كراج سيارات" مقابل 11 جنيهاً شهرياً، ثم جاءت بعد ذلك انطلاقتها بالصدفة في عالم الفن من خلال فيلم "دعاء الكروان" الذي قدمته مع الفنانين فاتن حمامة وأحمد مظهر وزهرة العلا والمخرج بركات، عام 1959، وجسدت من خلاله شخصية "خديجة"، الفتاة الارستقراطية ابنة المأمور.
وحكت الجداوي عن كيفية عملها في هذا الفيلم من خلال لقاء إعلامي لها، حيث قالت إنها كانت في منطقة وسط المدينة لشراء هدية لوالدتها بمناسبة عيد الأم، وكان عمرها 15 عاماً، فتقابلت مع أحد الأشخاص الذي اقترب منها فقال لها إنه يريدها في فيلم لأنه يرى أن الكاميرا تحبها، فرفضت متعللة بأنها لا تحب التمثيل ولا تجيده، وإذا كانت تريد أن تدخل الوسط، فخالتها هي الفنانة تحية كاريوكا، وتستطيع أن تفعل ذلك. لكنه أصرّ على إعطائها رقم هاتفه، موضحاً لها رغبته في أن تحضر إلى مكتب المنتج رمسيس نجيب. تحدثت رجاء مع والدتها في ما حدث، فرفضت والدتها تماماً دخولها مجال التمثيل، وذلك رغم سوء ظروفهم المادية وقتها، ولكن بعد إلحاح من رجاء على الذهاب من أجل المال للمساعدة في ظروفهم الصعبة، وافقت الأم. وبالفعل، ذهبت رجاء إلى المنتج وتعاقدت بمبلغ خمسين جنيهاً مصرياً، ومن هنا كانت انطلاقتها الفنية، حيث شاهدها في أثناء تصويرها الفيلم المنتج سعيد صادق، ورشحها للعمل في فيلم "غريبة" مع الفنانة نجاة الصغيرة مقابل 100 جنيه مصري، ووافقت ليكون هذا الفيلم هو الثاني في مشوارها.
ولأن الصدفة كان لها دور كبير في حياتها، فبينما كانت تحضر حفل لاختيار "سمراء القاهرة" كواحدة من الجمهور، لا كمشاركة، لفتت الأنظار إليها بعد عدم صلاحية أيٍّ من المشاركات الرسميات، فاختيرت من بين الحضور وارتدت الوشاح تمهيداً لمشاركتها في مسابقة "فتاة القطن المصري"، وحصلت فعلياً على اللقب "فتاة القطن". وفي أثناء حفل التتويج، التقت بمصمم أزياء مصري يوناني، وطلب منها أن تعمل معه "مانيكان" في مجال عروض الأزياء، وبالفعل عملت لفترة طويلة في هذا المجال، وكانت عارضة مصر الأولى، وتمثّل مصر في الدول العربية. وغابت عن الفن سبع سنوات، ثم انتقلت للعمل مترجمة في مؤسسة الجمهورية، لكنها مجدداً سمعت نداء قلبها وميولها، فعادت إلى التمثيل وركزت فيه، وقدمت عدداً كبيراً من الأفلام، لعل من أشهرها "بوبوس" مع عادل إمام، و"تيمور وشفيقة" مع أحمد السقا، و"أحلام الفتى الطائش" مع رامز جلال. وفي حقبة الستينيات، قدمت فيلم "إشاعة حب" مع عمر الشريف، وفي الثمانينيات "البيه البواب" مع أحمد زكي. وتُعَدّ رجاء من أكثر الفنانات عملاً مع كبار النجوم في مصر، واستطاعت رغم ضخامة الأسماء التي تعمل معها أن تلفت الأنظار.
على النطاق التليفزيوني، قدمت رجاء عدداً كبيراً من المسلسلات، مثل "يوميات زوجة مفروسة" و"شربات لوز" و"أزمة سكر" و"للعدالة وجوه كثيرة" و"جراند أوتيل" و"حلاوة الدنيا"، وكان آخر مسلسل لها هو "لعبة النسيان".
كان للمسرح حب كبير في قلب رجاء، واكتشفها فيه الفنان عادل إمام، وكانت أول مسرحية لها هي "الواد سيد الشغال" عام 1986، وكانت رجاء ترفض العمل في المسرح، وقالت لعادل إمام في أثناء تناولهما العشاء في منزل الفنان الراحل فريد شوقي إنها لا تعرف كيف تُضحك الجمهور، فأقنعها بخفة ظلّها، فوافقت واعترفت رجاء بأن المسرحية كانت سبباً في شهرتها على النطاق العربي، لأنها عُرضت على مدار ثماني سنوات في العديد من الدول العربية، وعلقت جملتها في المسرحية "يا شماتة أبلة ظاظا فيَّ"، في أذهان الجمهور بشكل كبير.
ثم قدمت مع عادل أيضاً مسرحية "الزعيم" التي عُرضت على مدار تسع سنوات، ثم قدمت بعض التجارب في المسرح الخاص.
حياة رجاء الشخصية ليس فيها العديد من الزيجات مثلما هو متعارف عليه بين الكثيرات من الفنانات، بل تزوجت مرة واحدة فقط، وكانت من حارس مرمى كرة القدم السوداني حسن مختار، ومن قبله كانت قد تمت خطبتها إلى أحد المشاهير، لكن لم تُستكمَل القصة.
تعود تفاصيل زواج الجداوي بحسن مختار، الذي رحل في 2016، إلى أن رجاء سافرت إلى السودان لتقديم مسرحية "روبابيكيا" بديلة من نبيلة عبيد التي اعتذرت عن عدم تجسيد الدور لظروف ما مرت بها، وكان برفقتها وقتها خالتها تحية وزوجها فايز حلاوة، وكان هناك الكثيرون من لاعبي كرة القدم التي لم تعرفهم رجاء، لعدم اهتمامها على الإطلاق بهذه اللعبة، وجاء بعض لاعبي الكرة لإلقاء السلام على تحية ورجاء وكل الحضور، ولكن حضر جميعهم إلا حسن مختار حيث كان يقرأ كتاباً باللغة الإنكليزية، فلفت نظر رجاء، وسألت: مَن هذا الشخص؟ فأخبروها عنه، وانتهى الأمر عند هذا الحد.
جاء اليوم التالي للعرض المسرحي، وكانت رجاء لا تضع أي ماكياج على النقيض من اليوم الأول، فاقترب منها حسن وقال لها: "على فكرة شكلك النهاردة أحسن وكنتي شبه البلياتشو أمبارح"، فاندهشت رجاء من طريقته، ثم التقيا بعد ذلك في الطائرة، فطلب منها الزواج، فرفضت قائلة إنها تكبره بثلاثة أعوام، كذلك فإنها تريد الزواج برجل غني، ولكن مرّ يومان وطلب منها الذهاب إلى منزلها للتحدث مع والدتها، وفوجئت رجاء بأن والدتها تعرف حسن مختار جيداً، وذلك لاهتمامها بكرة القدم، خاصة أنه كان حارس مرمى النادي الإسماعيلي وقتها، وهي ابنة محافظة الإسماعيلية، ووافقت والدتها وساعدتهما ببعض الأموال لتتزوج رجاء بعد مرور ستة أيام فقط على معرفتها بحسن، الذي أنجبت منه ابنتها الوحيدة أميرة، وظلت متزوجة به 46 عاماً.