ربيع بيروت رغم الانقسامات

31 اغسطس 2015
مسيرة من كوادر وطلاب الجامعة الأميركية (النادي العلماني)
+ الخط -
اختلف مشهد التظاهرات في بيروت هذه المرة، كان 29 آب/ أغسطس منعطفاً سيذكره الجميع، هو يوم هتف لبنانيون مدنيون غير طائفيين، قدّروا بعشرات الآلاف، في ما يشبه "الثورة على النفس"، كما كُتب عنها.

"حيّ على الشارع"، قالها المشاركون قبل أن تتزين شوارع المدينة بأعلام لبنان حصراً للمرة الأولى منذ سنوات. بدأت الحكاية في تظاهرات سابقة انطلقت قبل أكثر من شهر. كانت لنا تحفّظاتنا، اعترانا الخوف من خيبة أمل تشبه ما حدث مع انطلاقة تظاهرات لإسقاط النظام الطائفي عام 2011 بعيد اندلاع الربيع العربي. فقد تبع تلك التظاهرات سُبات عميق وموجةٌ من الإحباط، تراجعت العزائم وشكّك الجميع بقدرة الشعب على التغيير من جديد. لكنّ مظاهرات أغسطس/آب 2015 في بيروت أثبتت العكس.

الحكاية كادت تنتهي في 22 أغسطس/آب بموجة عنف غير مسبوقة شنّتها القوى الأمنية على المتظاهرين. طوال أعوام من مشاركتي في تظاهرات بيروتية، من إسقاط النظام إلى تظاهرات المطالبة بالزواج المدني وإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية إلى تظاهرات "لا للتمديد"، لم نشهد عنفا كهذا. يومها كاد العسكر أن يصير هو العدو.

تبع 22 أغسطس/آب حالة هرج بالشارع، كانت شرارتَها الشبابُ الغاضبون الذين قيل عنهم "مندسّون" و"مخرّبون". حاولنا امتصاص غضب الشارع، وأن نبتعد عن التنميط والتصنيف والطبقية، فالشارع للشعب حصراً ولا سلطة تثبت عكس ذلك.

اقرأ أيضاً: أغنية ضدّ الحريري ونصر الله والمشنوق.. بساعات وبلا كلفة

مشهد القنابل المسيّلة للدموع والرصاص المطاطي والحيّ الذي أطلق على المتظاهرين منذ أسبوع أيقظ اللبنانيين وسلّط الضوء على ما يحصل في بيروت. فانهمرت الرسائل الداعمة للحراك. سخّرت وسائل الإعلام شاشاتها لنقل ما يحصل ولو أنّ مواقف بعضها كانت سيئة.

الصور أعادت إلى الذاكرة بعض المشاهد من ربيع سورية، الرصاص الحيّ والعنف والمداهمات والاعتقالات، مشاهد دفعت بالأصدقاء السوريين إلى التواصل معنا خلال تواجدنا في الشارع. الرسائل أتت من حلب، من إدلب، المناطق التي تُقصف يومياً، حتّى الغوطة كانت حاضرة، ولم يتوانَ الأصدقاء عن نصحنا بكيفية التعامل مع العنف، الهرب، الاختباء وتفادي الاعتقال، أهمية الكاميرا.

هنا في الساحة، وبعد أسبوع على واقعة العنف، الهدوء العسكري كان طاغياً، للمرة الأولى. العنف لم يرعب المتظاهرين الذين عادوا إلى ساحة الشهداء في 29 أغسطس/آب ليثبتوا أنّ اللبنانيين ليسوا كلّهم رهينة حزب أو تيّار يدفعهم إلى التظاهر والمطالبة بالحقوق.

اقرأ أيضاً: هكذا تسابق فنانون لبنانيون لاستثمار تحرّك #طلعت_ريحتكم

مشهد ساحة الشهداء، نفسها التي شهدت اعتصامات 14 و8 آذار في العام 2005، اختلف هذه المرّة، وحده علم لبنان كان حاضراً، أما اللافتات والهتافات فلم تستثنِ أحداً من المعادلة، لا السلطة ولا العسكر ولا الرؤساء ولا الأحزاب.

حافظت الساحة الأخرى، ساحة رياض الصلح، على رمزيتها رغم العنف الذي شهدته في 29، إذ إنّ التوجه إليها بدا ضرورياً من قبل المتظاهرين بعد إخلاء ساحة الشهداء.

في الصفوف الأمامية، وقف الناشط والصحافي إلى جانب من صنّفه البعض كـ"مندسّ"، معًا حاولوا إزالة شريط السراي الشائك، علت هتافات إسقاط النظام. تجاهل المراهقون والشباب رسائل الأهل التي أكدت أنّ التظاهرة ستُفضّ قريباً بعد محاولات إشعال الشريط الشائك، لكنّ كثيرين لم يغادروا...

حرصاً منا على الابتعاد عن التنميط السائد وتفادياً للحكم على الأشخاص من المظهر، لأنّ للجميع الحقّ بالنزول إلى الشارع. ذاك الذي لم يعد اليوم، وبعد سنوات طويلة، حكراً على المذهبيين. فهؤلاء الشبان، نحن وهم، نحاول تكوين وطنية جديدة في لبنان، ونشعر أنّ علينا احتضان بعضنا البعض. 

أمّا عن التغيير، فهو مشروع طويل الأمد لن ينجز في لبنان بين ليلةٍ وضحاها. لهذا كنّا في الساحة، من انتماءات ومشارب مختلفة، عارفين أنّ "الثورة" لن تقع غداً، وأنّ علينا أن نتحلّى بالكثير من الصبر، إن كنّا مصمّمين على إسقاط النظام الفاسد الحاكم.

الساحات والتظاهرات باتت وسيلة ضغطٍ أخافت الحكومة ودفعتها إلى إعادة النظر بالكثير من المواقف. هذه الساحات باتت لنا، على الرغم من كونها معزولة بالبوابات الحديد والأشرطة الشائكة، لكن لسان حال المدنيين والغاضبين: لن نتخلّى عنها، لن نغادرها، لن نرحل.

اقرأ أيضاً: علاء زلزلي يُغني #طلعت_ريحتكم
المساهمون