ربيعنا الديمقراطي... تنسى كأنك لم تكن

04 يناير 2017
+ الخط -


هكذا، يريدون لفزعنا الكبير نحو الحرية أن يصير، أن ينسى كأن لم يكن، بعبارة درويش البليغة. أن ينسى كعادة من العادات البائسة للحضارة التي نعايشها اليوم، والمسماة عالمية.

 يراد منا أن نرفض كل فخر داخلي فينا، أن ننسى ذلك الفخر الوليد عن إقدام الشباب وهم يتوثبون نحو الحرية، نسيان فخر أننا كسرنا قوساً كنا نعتقد استحالة انكساره في تاريخنا، قوس هواننا ومواتنا الذي اعتقدناه جزءاً من جينات التوالد عندنا. نسيان فخر أننا قد رفعنا عنا وقع ذلك الصوت الذي يناديه لسان حالنا منذ ابن خلدون بالانقباض والجمود.

يراد لنا دون مؤامرة من أحد أن ننسى كل ذلك، كأنه لم يكن، كأن بن علي لم يهرب، وكأنه لم يرتبك أمام عزائمنا ومجد الإنسانية فينا ويبتلع حلقه بعبارته "فهمتكم"، وكأن القذافي لم تقذف به بالوعات الجماهيرية، ويخلد جنونه بعبارته "من أنتم"، وكأن المخلوع المصري لم ينهزم في موقعة الجمل، وكأن الانقلاب لم يكن، وكأن أصابع اليد لم تجتمع لتذكرنا برابعة، وكأن شباب اليمن لم ينتفض بحثاً عن سعادته الملتصقة باسم البلد.

لعل مصيبة النكران ستكون أفظع، حين يريدون منا نسيان ما وقع في سورية ولا يزال، كأنه رغم استمراره لا ينبغي أن يكون .. كيف لا نفخر بجيل كسر طوق حزب البعث، كسر وهم الحزب بصورة عامة لدينا، وهم أن نعتقد بأن حزبا قد يُبعث أو يمكنه ذلك. جيلنا جيل ما بعد حقبة الاستعمار بعبارة "حميد دباشي" لا يؤمن إلا ببعثه هو، جيل يحرج الإنسانية اليوم أمام بؤس أخلاقها.

ليس من معنى للذي يقع إلا الصورة المقابلة، أن النسيان الذي يريدونه ليس إلا تأكيدا لقوة اللحظة التي نعيش، تأكيدا لهول العالم واندهاشه وارتباكه أمام قدرتنا على مراوغة ما اعتقدته شعوبنا قدرا، مرواغة كل بئيس مؤلم ..


أليس شبابنا من حرر في آخر الأحداث الربيعية تركيا من قبضة العسكر، أليس شبابنا من عرّى في حلب أسطورة الإنسانية والحضارة العالمية، وفتح ورش الإصلاح لمستقبلنا على الممكن الذي لم نفكر فيه بعد.

كبيرة أنت يا فكرة الحرية فينا، فرغم ما يراد لنا.. أن ننسى كما لو لم نكن... فقد أخرجوا منا بعبارة درويش مجدداً.. حرية معتصرة من جرجنا من ملحنا من خبزنا من أرضنا من عقلنا من جسدنا... من الهواء الذي يتخللنا...

من خلاصات عامنا الذي انقضى أن الذي يعتمل في بواطن مجتمعاتنا.. كبير ونوعي.. بلغة الأنثروبولوجيا عجيب وغريب.. لهذا ينبغي لكل منا من دون خجل أن يستيقن أنه سيفاجئ شخصه الذي يكونه في كل مرة يأتي فيها فعلا حرا..

من خلاصات عامنا .. أننا في سورية بدم بارد للعالم وهو يرمقنا نقتل الإنسان الذي اعتقدنا استيعابه.. ونحيي عودة الكائن المنفلت في جغرافيات العالم وجغرافيات تفكيرنا.. في سورية نكتب مجد موتنا من أجل الحرية.. وإن صورنا الكثيرون طلاباً للخبز.. بينما لا يعدو خبزنا بلغة الكتاب المقدس كفاف يومنا.. أما الحرية فهي ديننا.

سنعبر للسنة المقبلة ونحن أكثر ثقة وأكثر استيثاقاً لما قد يعد به مستقبلنا .. حيث لن نكون فيه إلا أحراراً كما ولدتنا أمهاتنا ..

 

 

90B07B72-ECA0-4CEE-AE30-DE797621F18A
عبدالله هداري

كاتب وباحث مغربي يقول: "فعل الكتابة بعد الثورات يعكس قدرتنا أن نوقع تغييراً وأن نغاير معطيات اليأس الذهني/الواقعي، المتحكمة فينا لعقود، ونخلق عوالمنا الممكنة/الجديدة".