لم تنه نتائج انتخابات "رابطة الكتّاب الأردنيين" الحروب الكلامية التي اندلعت قبل قرابة شهر. فرغم فوز تحالف التيارين "القومي" و"الديمقراطي" (زياد أبو لبن رئيساً) لدورة (2015 - 2017) على حساب "تيار القدس" المنافس لهما، والمنقسم على نفسه، فإن الجدل لا زال على حاله في عمّان.
وفقاً لكثيرين، فإنّ فشل "تيار القدس" الذي أدار الرابطة طوال الأربع دورات الماضية، يعود إلى أدائه في الإدارة؛ والذي يرى بعضم أنه اتّسم بالإقصائية. وعليه، حدث الشرخ داخله.
قبل أيّام، ضجّ موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، بعد إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة، بتفاصيل الانتخابات ومشاحناتها. وأكثر ما برز من العبارات، وحتى العناوين الإخبارية في بعض المواقع، هو "هزيمة مدويّة لشبّيحة بشار الأسد في الرابطة".
على إثر هذه "الهزيمة"، كتب رئيس التيار، هشام غصيب، على صفحته في فيسبوك: "الانتخابات ليس لها علاقة بالشرعية. إنها مجرّد تعبير عن علائق القوة في محيط ما"؛ ما أثار تحفّظ كثيرين، واجهوه بسؤال: "يعني أن تيّار القدس لم يكن وجوده يتمتع بأي شرعية في رابطة الكتاب للدورات الأخيرة؟ وكان تعبيراً عن علائق قوة بجهات ما أيضاً؟"، علماً أنّ بعض الذين استنكروا كلام غصيب، ينتمون إلى التيّار نفسه.
اعتراض منتسبين إلى "القدس" على كلام غصيب، ليس سوى تأكيد على تلك الانشقاقات داخل التيّار، وهذا ما يؤكّده الشاعر حكمت النوايسة (كان مُنتسباً للتيّار حتى قبل عامين)، في حديثه إلى "العربي الجديد"؛ إذ يقول موضّحاً أسباب الخسارة:
"لقد خسر تيار القدس هذه المرّة لأنّه شهد انشقاقات وانسحابات كثيرة، فضلاً عن عدم وجوده التنظيمي طيلة ثلاث أو أربع سنوات، ذلك أنّ الأمانة العامة نادراً ما تجتمع، وعندما تجتمع يغلب الخطاب الارتجالي".
ويضيف: "كما أنّ الجسم المهيمن فيه ليس لديه الصدر الرحب لمناقشة أيّ قضية، فضلاً عن كون هذا الجسم لم يعد ممثلاً للطيف الواسع الذي كان يمثله، فقد انسحب منه القوميون، وكذلك المستقلون".
يتابع النوايسة حديثه عن مواقف الرابطة السياسية التي لم تتّسق والشارع الثقافي الأردني عموماً، إذ "افتقد التيار إلى وجود رؤية موحّدة لما يجري في سورية، كما أنه بارك حركة الحوثي في اليمن وهي حركة انقلابية متعاونة مع الرئيس المخلوع".
أمّا على الصعيد الثقافي، فيوضّح النوايسة أن الأمر لم يكن مختلفاً. يقول: "هناك ثقافة تشكّلت مع انفراد فئة معيّنة بقيادة الرابطة، والسيطرة على أنشطتها، هذه الثقافة لا ترى الآخر تماماً، بل لا ترى الثقافة نفسها إلا من خلال خطابها السياسي".
ولعلّ ما كتبه غصيب على صفحته أيضاً، يؤكّد ما يقوله النوايسة، إذ كتب الأوّل: "توضيح: لقد قرّرت الجمعية الفلسفية الأردنية إيقاف أنشطة ملتقى الثلاثاء الثقافي حتى إشعار آخر ومكان آخر؛ لأن رابطة الكتّاب لم تعد البيئة المناسبة لعقد هذه الأنشطة الفلسفية التنويرية".
من جهتها، تُرجع القاصة بسمة النسور خسارة التيّار إلى أسباب ثقافية تتجاوز المواقف السياسية الخاطئة بحسب تعبيرها وتضيف: "كانوا يمنحون عضوية الرابطة إلى أسماء ليست لها أي علاقة بالثقافة أو الإبداع، وإنّما بناءً على حسابات سياسية".
بعيداً عن هذه المناوشات بين تلك الأطراف، لا بدّ من السؤال عن الرّابطة كـ"كيان ثقافي" وإن كان لها أي دور فعلي تلعبه أو تستطيع أن تلعبه في الحياة الثقافية. صحيح أن تخليص "رابطة الكتّاب الأردنيين" من هتيفة الاستبداد شيء إيجابي، لكنه لا يحمل جديداً لحياة ثقافية راكدة، "تعيش" فيها الرابطة على إرث إغلاقها عام 1987، والذي ما زالت تقتات على شمعه الأحمر حتى الآن.