ويقول المهندس البيئي، زياد أبي شاكر، لـ"العربي الجديد"، إن "تصاعد رائحة النفايات يعود إلى وصول مرحلة النقل إلى "البالات" الأقدم (المغلفات البلاستيكية الكبيرة التي توضع النفايات بداخلها لتكدس فوق بعضها)، والتي مر على تكدسها ثمانية أشهر كاملة ومرت بعملية تخمر طويلة، ما يؤدي إلى زيادة كمية البكتيريا فيها، وهو ما يلاحظه المواطنون من خلال الرائحة القوية المنتشرة في مُختلف أرجاء بيروت".
واستقرت الرائحة داخل المكاتب والمنازل القريبة من الطرقات التي تستخدمها شاحنات نقل النفايات، وهي شاحنات معظمها غير مخصص لهذا الغرض، تم تأجيرها ضمن العقد الموقع بين الحكومة اللبنانية ممثلة بمجلس الإنماء والإعمار، وشركة "سوكلين" المُكلفة إدارة النفايات الصلبة في محافظتي بيروت وجبل لبنان.
وكشف وزير الصحة، وائل أبو فاعور، أن بعض سائقي هذه الشاحنات يعمدون إلى نقل النفايات مساءً وشحنات قمح من مرفأ بيروت في الصباح التالي من دون تعقيم شاحناتهم.
وتقول فرح التي تعمل في مكتب محاماة في منطقة الصيفي القريبة من ساحة الشهداء في وسط بيروت، إن المعاناة اقتصرت في الأسابيع الأولى على "تحمل رائحة النفايات داخل السيارة خلال ساعات الذروة المرورية صباحاً وبعد الظهر"، وهي المواعيد التي تسير فيها الشاحنات جنباً إلى جنب مع سيارات المواطنين". لكن الصورة اختلفت اليوم، حيث نتسلح بمُختلف أنواع معقمات الجو في محاولة لطرد الرائحة من المكتب خلال ساعات العمل.
أما محمد الذي يعمل سائق سيارة أجرة في بيروت، فيقول إنه مضطر لتشغيل التكييف في سيارته وإغلاق النوافذ طوال الوقت، "وهو ما يعني ارتفاع مصروفات الوقود في محاولة تفادي الرائحة".
كما بات مشهد سائقي الدراجات النارية الذين يرتدون كمامات طبية عادياً في الشوارع، بسبب الرائحة وخوفاً من انتقال الأمراض إليهم.
وامتدت الأزمة إلى شاطئ البحر، وهو ما أظهرته صور نشرتها حملة "طلعت ريحتكم" تُظهر أحدها بقرة نافقة في مياه خليج "سان جورج" المُخصص لرسو اليخوت في بيروت. كما نشرت الحملة صورة أخرى لبقعة بنية كبيرة قبالة موقع مُقرر إنشاء مطمر صحي فيه عند شاطئ البحر جنوبي بيروت، ويُرجح خبراء بيئيون أن تكون البقعة من عصارة النفايات التي رشحت إلى البحر مع الأتربة الناتجة عن عمليات الحفر. ما دفع المواطنين للتساؤل عن مصير الشاطئ الذي يلجأ إليه المواطنون في الصيف للسباحة.
وكانت الحكومة اللبنانية قررت استحداث مطمرين على المدخلين الشمالي والجنوبي للعاصمة بيروت، وإعادة فتح مطمر الناعمة لمدة شهرين فقط. كما قررت الحكومة تخصيص مبالغ مالية لتغطية مشاريع إنمائية في البلدات المحيطة بالمطامر الثلاثة.
وتواجَه خطط الحكومة باعتراضات شعبية مُستمرة من قبل أهالي المناطق الثلاث، ومن قبل حملات الحراك المدني التي ترفع شعار "اللاءات الثلاث: لا للطمر لا للحرق ولا للترحيل"، وهي الخطط التي اقترحتها الحكومة للتعامل مع الأزمة ولإدارة النفايات الصلبة في بيروت وجبل لبنان بشكل دائم.