في أكتوبر 2019 عادت الأصوات الثورية إلى شوارع تشيلي في غمرة الاحتجاجات ضد حكومة البلاد. وعلت الأغاني الحماسية لـ فيوليتا بارا وفيكتور خارا. وظهر الشاعر التشيلي راؤول زوريتا في شوارع العاصمة سانتياغو حاملاً علم بلاده، مُعلناً انضمامه إلى المحتجّين، مستعيداً سيرته الأولى في رفض الديكتاتورية العسكرية التي حكمت تشيلي بين العامين (1973 - 1990)، وتعود الآن في ديمقراطية مقنّعة كان الروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا قد وصفها سابقاً بـ "الديكتاتورية المثالية".
عايش زوريتا (مواليد سانتياغو في تشيلي، 1950) الحكم العسكري لبلاده وسُجن بسبب مواقفه، بل حاول في غمرة إحساسه بآلام الآخرين، أن يؤذي عينيه انتقاماً من عجزه. وهكذا، انعكست عذاباته على أعماله الشعرية وتماهت تضاريس تشيلي كصحراء أتاكاما وسلسلة جبال الأنديز مع أوجاعه الشخصية ومع الحضور المؤلم لوطنه في قصائده.
يكتب زوريتا في قصائده تضاريس تشيلي، وتبدو أحياناً كما لو أنها أماكن مذكورة في الكتب المقدّسة. في قصيدته "سلاسل جبليّة"، يستحضر قصّة من الكتاب المقدّس ويغيّر جغرافيّتها لسلاسل جبال الأنديز في تشيلي.
بهذه الجغرافيا التشيلية الحاضرة في شعره، تجاوزت أعماله حدود تشيلي ليصبح زوريتا من أبرز شعراء أميركا اللاتينية وأكثرهم حضوراً، وقد حصل على عدّة جوائز وتكريمات؛ من بينها: جائزة بابلو نيرودا للشعر، وجائزة بيريسلي دي أورو دي كالابريا الإيطالية، وعام 2000 حاز الجائزة القومية للأدب التشيلي.
أما قصيدته الأشهر "نشيد حبّه المفقود"، فقد كتبها في ظلّ حكم الدكتاتورية العسكرية للبلاد، وهي ملحمةٌ شعريّة تتداخل فيها أصوات الضحايا وصوت شاهد على التعذيب، مع ما يبدو صوتاً لاهوتياً مشوّشاً. وتُجسّد تلك الملحمة شهادة على ما كان يحدث في أقبية التعذيب في السجون العسكرية التشيلية مع شاعرية عالية لا تتعثّر في مطبّات الخطاب المباشر كما في أعماله "تطهير ما قبل الجنة و"نشيدُ حبِّه المفقود"، و"عظة الجبل"، و"المناطق الخضراء"، و"قبالة الجنة"، و"حياة جديدة"؛ الديوان الذي قال عنه إنه "خروج من الجحيم".
يُعرف زوريتا بأنه امتداد شعراء تشيلي العظماء، كبابلو نيرودا ونيكانور بارا، وإن تمايز صوته عن صوتيهما ما جعل نقاداً عديدين يعتبرونه أهم شعراء التشيلي الأحياء بل والعالم الإسباني كلّه.
حطّم زوريتا القوالب التقليديّة لقصيدة اللغة الإسبانية وتميّز باختيار تراكيب أبنية لغويّة مختلفة لقصائده، دون أن يؤثّر هذا التفوّق اللغوي والغنائية الجبّارة على مضمون القصيدة. وهو تحدٍّ واجهه ببساطة الشاعر الذي خرج من رحم البلد الذي يُطلق عليه "بلد الشعراء"، تشيلي.
كثيراً ما خاطب نفسه في قصائده، ذاكراً الاسم صراحة، منادياً نفسه في حوارٍ ذاتي، في خلطةٍ ساحرة من الشعر والأداء الدرامي؛ فالدراما حاضرة في شعره بمكوّنيْها الأزليّين المأساة والملهاة.
في أعماله، يستوحي زوريتا الكثير من الإشارات والأيقونات الدينية ويسقطها على الألم الإنساني، كالتضحية وكل ما يحمله المعنى من ألم في قصة النبي إبراهيم مع ابنه، أو درب الآلام والصليب كما في الرواية المسيحية، كأنما يشير إلى قصة أزليّة بطلها الإنسان. الرموز الدينية هي أدوات حياتية وشعريّة في نصوص زوريتا. في إحدى المقابلات معه، يقول إن الخصم الآن لم يعد الديكتاتور السابق أوغستو بينوتشيه، بل نظاماً رأسمالياً عامّاً، على الجميع الاتحاد لمقاومته.