رؤساء وكلاب

20 مايو 2014
في استقبال أرييل شارون عام 2005 (إيريك درابر/Getty)
+ الخط -


ببالغ الأسى نعى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن "ميس بيزلي"، التي رحلت يوم السبت إثر صراع مرير مع السرطان. لم يعلن بوش الحداد العام في البيت البيض لأنّ الحزن لم ينسه أنه لم يعد سيّد البيت الذي كانت بيزلي تسرح وتمرح في أروقته وصولاً إلى المكتب البيضوي، حيث كان يتخذ قرارات مصيرية ويشنّ الحروب ويتسبّب بقتل مئات الآلاف وتدمير حضارة بأكملها... "ميس بيزلي" ليست سوى كلبة عائلة الرئيس السابق المحبوبة، وقد اعتبر نفوقها خسارة كبيرة له ولزوجته لورا تحديداً، إذ كانت الكلبة هدية الرئيس لزوجته في عيد مولدها عام 2005.
ذلك العام كان بداية الولاية الثانية لبوش الابن، ومنذ دخول "ميس بيزلي" إلى البيت الأبيض ظهرت في الكثير من الصور التي التقطت للرئيس وعائلته في كافة أرجاء البيت الأبيض وعند استقبال كبار الشخصيات وفي المكتب البيضوي حتى.

تربية الكلاب وغيرها من قطط وطيور وخيول تقليد اجتماعي بديهي في الغرب، فلماذا لا يمتلك رئيس الولايات المتحدة وعائلته حيوانات أليفة؟ لا شيء يمنع، بل إنّ كلّ شيء يسمح ويشجّع، فمن خلال هذه الحيوانات يمكن بثّ رسائل إيجابية للعالم وللشعب الأميركي عن الرئيس الرؤوف بالحيوان، ويمكن حياكة الكثير من القصص المؤثرة تحديداً حين يصاب هذا الحيوان بمرض، أو يرافق صاحبه في زياراته الاجتماعية إلى دور العجزة ومستشفيات الأطفال ويسهم وجوده باضفاء السعادة والبهجة في المكان، كما حصل مع كلبة بوش الأب وزوجته باربرا.

باربرا بوش تصطحب "بيبي" في مشاركاتها الخيرية/جاك ميلتون/بورتلاند برس هيرالد/ Getty


حكايات كثيرة تناقلتها الصحف والكتب والسير الذاتية عن حيوانات البيت البيض الأليفة، بعضها يظهر تأثيراً كبيراً لها في الحملات الانتخابية، وفي مستوى شعبية الرؤساء وتعاطف الرأي العام معهم، كما حدث مع الرئيس ليندون جونسون الذي يُحكى عن "شرخ صورته العامة" حين انتشرت صورة له يحمل كلبه من أذنيه. أما روزفلت الذي نسي ذات زيارة الى جزر في المحيط الهادئ كلبه "فالا" خلفه، وأرسل فريقاً للبحث عنه، فتعرّض للنقد الشديد حول المبالغ المالية التي أهدرها للبحث عنه، والتي اقتطعت من دافعي الضرائب الأميركيين، وقد خاطب روزفلت الرأي العام في خطاب مؤثر جاء فيه: "يمكنكم انتقادي وانتقاد عائلتي ولكن لا يمكنكم انتقاد كلبي الصغير، إنّ تلك الانتقادات حول النفقات آلمت روحه". عرف الخطاب لاحقاً بـ "خطاب فالا"، ويحكى عن تأثيره الإيجابي في إعادة انتخاب روزفلت في ولاية جديدة.
من جهة أخرى، يلفت الاطلاع على حيوانات البيت الأبيض الأليفة النظر إلى أمور طريفة، إذ اقتنى بعض رؤساء أميركا حيوانات غريبة أو بالأحرى ليس اقتناؤها شائعاً، إذ اقتنى بنيامين هاريسون عنزةً، أندرو جونسون فئراناً، جون كوينسي آدمز تمساحاً ودود قزّ، توماس جيفرسون دبّين صغيرين... ويخصّص البيت الأبيض موقعاً الكترونياً خاصاً لحيواناته، وهناك متحف لهذه الحيوانات أسّسته كلير ماكلين، التي كتبت مقدّمة كتاب "فيرست بيتس"، أو "الحيوانات الأليفة الأولى"، وفيه تاريخ شامل لحيوانات رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، مدعّم بمئات الصور من وكالة أسوشييتد برس، التي أصدرت الكتاب واختارت صوره من بين 7 ملايين صورة لحيوانات الرؤساء الأميركيين تمتلكها في أرشيفها. علماً أنّ هذا الكتاب هو واحد من كتب عديدة تناولت الموضوع نفسه.

الكثير من الدول الغنية والمتقدّمة تخصّ الحيوانات بالاحترام والودّ والدلال، ليس الرؤساء استثناءً، المؤسف أن يؤلمهم فقدان هذه الحيوانات أكثر مما يعنيهم قتل البشر وشنّ الحروب والتستر على التعذيب في السجون، وحالياً غضّ الطرف عن مجازر يومية وانتهاكات وحشية بحق الانسانية.

لا يعني الحزن على نفوق الكلبة ميس بيزلي أن إنسانية بوش تحرّكت، لكنه يعني أنّ كلبة الصيد الاسكتلندية السوداء تعني له أكثر بكثير مما عنى له آلاف الأطفال ومئات آلاف البشر الذين تسبّب صلفه وتعنّته بموتهم، بينهم طبعاً الجنود الأميركيون الذين رمى بهم بين جحيمي افغانستان والعراق.


ميشيل أوباما تصحب كلبي العائلة الوحيدين "بو وسني" إلى الاحتفال بعيد الفصح في حديقة البيت الأبيض ابريل الفائت/أوليفيه دوليري بوول/Getty



إلى اليمين: جورج ولورا بوش مع كلبهما بارني، عمّ الكلبة ميس بيزلي/ريش ليبسكي/ذا واشنطن بوست/Getty        إلى الشمال: ميلي، كلبة جورج بوش الأب كانت حاضرة يوم تسلّم كلينتون مفتاح البيت الأبيض من سلفه/بول ريتشارد/فرانس برس/Getty
المساهمون