تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثاني من أيلول/ سبتمبر، ذكرى ميلاد الملحن المصري محمود الشريف (1912 - 1990).
شكّلت الأغنية التراثية محور اهتمام محمود الشريف الذي قدم إلى القاهرة آتياً من مدينته الإسكندرية منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، حتى أنه طبّع الأعمال التي لحّنها لعدد من مؤلّفي الأغاني بحيث بدت أنها جزء من الموروث المصري القديم رغم حداثتها.
مثل معظم مطربي ذلك العصر، نشأ الملحن المصري (1912 - 1990) في بيت كانت تقام فيه حلقات الذكر الصوفي، كما حفط أجزاء من القرآن والمقامات الموسيقية، حيث كان أبوه أحد أئمة جامع العجمي، كما شغف بأغاني الأعراس في الأحياء الشعبية، إلى جانب استماعه إلى ألحان داود حسني منذ الصغر.
درس الشريف العود على يد العازفين جورج طاتيوس ومحمد فخري وتعلّم أصول الغناء قبل أن يؤدي العديد من الأغنيات في الإذاعات المحليّة، وينضم إلى عدد من الفرق مثل "فرقة الجزايرلي" و"فرقة فوزي منيب"، ويجوب معها قرى ونجوع مصر.
انتقل بعد ذلك إلى القاهرة حيث التحق بفرقة بديعة مصابني مطرباً، وأهدر وقته سنوات في جلسات "الصهبجية" التي أضاع فيها العديد من الألحان، ليتقدّم للإذاعة عام 1936، ويعرض مع الإذاعي محمد فتحي أول أوبرا في تاريخ الإذاعة بعنوان "روما تحترق"، ثم "روميو وجولييت"، وتتالى بعدها الأعمال.
قدّم الشريف العشرات من الصور الغنائيّة الإذاعيّة، مؤدياً بصوته في بعضها، مثل: "قسم وأرزاق" من تأليف عبد الفتاح مصطفى وألحانه وغنائه، لكن بدأت شهرته الحقيقيّة بعد "بتسأليني بحبك ليه" للمطرب محمد عبد المطلب والتي حقّقت نجاحاً كبيراً، وكانت من كلمات تأليف عثمان خليفة.
كانت هذه الأغنية انطلاقة لتلحينه العديد من أعمال عبد المطلب؛ من أبرزها: "أداري وانت مش داري"، و"يا بايعني وانا شاري"، و"أنا مالي"، و"معاد حبيبي"، و"دع هواك"، و"يا أهل المحبة"، و"ما بيسألش عليه أبداً"، و"بياع الهوى"، وغيرها.
أثّرت هذه الانطلاقة على خيارات صاحب "أوصفولي الحب"، والذي قدّم أغنية شعبية تعكس الوجدان الجماعي للناس وترتبط بالأرض وبمفردات الحياة اليومية وأحلام البسطاء وعاداتهم وتقاليدهم، لتجمعه الصدفة بداية الأربعينيات بعبد الغني السيد (1908 - 1962) عندما شاركا سوية في في ليالي رمضان في "إذاعة يافا" في فلسطين.
سعى الشريف إلى تجديد المسرح الغنائي، لكنه فشل في محاولاته الحثيثة لتكوين فرقة مسرحية غنائية أو الإعداد لعمل مسرحي غنائي متكامل يحقق طموحاته، وقدّم بعض الأعمال المسرحية التي تستند أساساً إلى رؤيته في تطوير الأغنية الشعبية، حيث أخرج له فؤاد الجزائرلي أوبريت "القاهرة في ألف عام"، وشارك في تأليف ألحان "أوبريت من مصر" التي أخرجها زكي طليمات، ولم يُكتب النجاح له في استكمال عمليْن مسرحييْن هما "مهر العروسة" مع محمد عبد الوهاب، وكذلك "هدية الإثنين".
أعلن خطوبته رسمياً لأم كلثوم عام 1946، والذي تناقلت الصحف المصرية خبرها وقتها، وتردّد بعدها في أكثر من رواية مسجّلة أنهما تزوّجا لمدة عامين دون أن يعلنا ارتباطهما، ما جعل هذه الحادثة تغطّي على تجربته وإبداعه بحيث تبدو أبرز ما مرّ في سيرته من أحداث.