يصعب أن تقرأ في سيرة روائي من الروائيين الأشهر في القرن العشرين دون أن يأتي على ذكر الروائي الروسي فيودور دوستويفسكي (1821-1881)، الذي تمرّ ذكرى ميلاده اليوم، كأحد الكتّاب المؤثرين في بداياته.
لطالما قرأنا شهادات مختلفة لروائيين ومسرحيين وفنانين وسينمائيين من ثقافات مختلفة شرقية وغربية حول أعمال الكاتب الروسي وتأثيرها في وعيهم؛ ومن بينهم فيليب روث وهمنغواي وتينيسي ويليامز وبورخيس وسلمان رشدي وحتى فرويد وآخرين.
يتعامل صاحب "الجريمة والعقاب" في رواياته مع أمراض النفس البشرية على نحو عميق وصريح، وهو من القلّة في زمانه ليس فقط على صعيد الأدب الروسي بل والعالمي، من اكترث لفهم سيكولوجيا المذنب، والمجرم، والمغتصب، والأبله، والفقير، والإقطاعي.
يختلف دوستويفسكي عن أي روائي آخر في أنه يتفحص الخلفيات النفسية والاجتماعية التي تحيط بشخصياته الغريبة أو التي لا يمكن وصفها بالعادية. ظهر دوستويفسكي كاتباً في أربعينيات القرن التاسع عشر، حين كان الأدب والقراءة والكتابة مقتصراً على الطبقة الأرستقراطية التي كانت تشكل أكثر من 10% بقليل من الناس في روسيا.
كان والد صاحب "الإخوة كارامازوف" طبيباً عسكرياً، ليس بالغني وليس بالفقير وتعود جذوره إلى عائلة نبيلة، توفيت زوجته والدة دوستويفسكي حين كان يافعاً، وكان المرضى من الفقراء يقصدون بيت والده فيرى الطفل معاناتهم الجسدية والمادية ومظاهر العوز والجوع البادية على وجوههم وأجسادهم.
أجبر الأب ابنه أن يلتحق بدراسة الهندسة، وانصاع فيودور وبالفعل نجح فيها، لكنه ظلّ يحلم بالأدب، وكانت ترجمته لعمل بلزاك "أوجيني غرانديه" إلى الروسية أول ما صدر من كتب يحمل اسمه كمترجم وهو في مطلع العشرين.
كتب دوستويفسكي روايته الأولى "الفقراء" وهو في عمر 23 عاماً وقدمها إلى الصحافي الشهير آنذاك يوركاسوف، وكانت تنتمي إلى ما يسمى بالأدب الرسائلي وتقوم على مراسلات من فتاة ريفية فقيرة في مقتبل العمر، مع رجل عجوز.
قدم يورساكوف العمل إلى الناقد الروسي الأشهر آنذاك والأكثر تأثيراً والمعارض السياسي فيساريون بيليينسكي الذي اهتم بتقديم الكاتب الشاب إلى الوسط الثقافي بوصفه العبقرية القادمة في الأدب الروسي.
منذ ذلك الوقت قدّم دوستويفسكي سلسلة من الروايات، وسجن ونفي إلى سيبيريا (1849-1854) بسبب انتمائه إلى مجموعة بيتراشيفسكي المعارضة آنذاك، وأدين بتهمة قراءة كتب ممنوعة ومن بينها رسائل بيليينسكي الممنوعة إلى غوغول.
عربياً، تكفّل المترجم السوري سامي الدروبي بنقل معظم أعمال دوستويفسكي إلى العربية، لكنه نقلها من الفرنسية وليس الروسية، ورغم أنه صاحب الفضل على القراء العرب في فتح باب قراءة أدب صاحب "الأبله" و"المراهق"، لكن مراجعات معاصرة لترجماته ومقارنتها بالروسية تذهب إلى وجود خلل كبير في الترجمة، وحذف لفقرات وثمة من يقول صفحات، ربما لم يعرف الدروبي أساساً عن حذفها، إذ أنه نقل من نسخة فرنسية وليس روسية أصلية.
مؤخراً عادت ترجمات الدروبي إلى أرفف المكتبة العربية بنسخة معدلة، عبر المشروع الذي يقوم به "المركز الثقافي العربي" بمعاودة نشر الأعمال التي ترجمها الدروبي، ومن بينها ترجماته لتولستوي وغوغول وغيرها.
لكن يجدر أن نذكر أن لدوستويفسكي 16 رواية و17 مجموعة قصصية وعشرات المقالات ودفاتر يوميات ومراسلات، ترجم إلى العربية جزء صغير منها.