تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، التاسع عشر من تموز/ يوليو، ذكرى ميلاد الشاعر الروسي فلاديمير ماياكوفسكي (1893 – 1930).
ترك فلاديمير ماياكوفسكي أثراً كبيراً في الثقافة العربية، مثل بقية الثقافات حول العالم، حيث شكّل انتحاره في السابعة والثلاثين نقطة غامضة في تفسير أسبابه، أضيفت إلى نصوصه ببعدها الحدوسي والعاطفي رغم أنه لم تترجم جميع أعماله للعربية حتى اليوم، خاصة تلك التي توضّح تنظيراته وآراءه الفكرية.
في بيت ريفي ببلدة بغدادي الجورجية، نشأ الشاعر الروسي (1893 – 1930) الذي حفظ العديد الأشعار في سن باكرة، وانجذب إلى الأدب منذ أن قرأ رواية "دون كيخوته" طفلاً، وظلّت تلك الشخصية الأقرب إلى قلبه، مقابل نفوره من المناهج التي تعلّمها في مدرسة دينية بمدينة كوتاييسي.
مثّلت مظاهرات الاشتراكيين الثوريين والفوضيين ضد النظام القيصري عام 1905، محطّة مهمة في حياته وانعكست على خياراته السياسية لاحقاً، كما كان لفقد والده في السنة التالية واضطرار العائلة للانتقال إلى موسكو، وعمل والدته للإنفاق على أطفالها، دورٌ كبير في تكوينه النفسي والشخصي، خاصة بعد تركه المدرسة.
التحق باستوديو لتعليم الفنون بعد أن فشل في نشر قصائده الأولى في الصحف، وبدأت تتعمّق في تلك الفترة قراءاته الماركسية، التي أتت في لحظة عاش المجتمع الروسي إحباطاً كبيراً، ما قاده للالتحاق بإحدى المنظّمات اليسارية، حيث اعتقل أكثر من مرة وأمضى في زنزانه انفرادية نحو سنة قرأ فيها عدداً من الأعمال البارزة لشكسبير وهوغو وتولستوي.
في هذه المناخات، كتب ماياكوفسكي أشعاراً ثورية ونظّر للتجديد في الأدب والفكر والحياة، وصولاً إلى عام 1913، حين أصدر مع شعراء وفنانين آخرين منهم خليبنيكوف وكامينسكي "الحركة المستقبلية" وقدّموا بيانهم الأول تحت عنوان "صفعة الى الذوق العام" أعلنوا خلالها رفضهم التقاليد الجمالية والأدبية الكلاسيكية.
جذب إليه العديد من المعجبين بقصائده التي انتظم على إلقائها في أمسيات نظّمت بموسكو، لكنه لم يجازف أيّ من الناشرين في إصدار مجموعته الشعرية الأولى حتى عام 2015، التي تصّدرتها قصيدته الشهيرة "غيمة في بنطلون" التي رأى فيها كثيرون أنها استشرفت سقوط الحكم القيصري.
انضّم ماياكوفسكي إلى "ثورة أكتوبر" (1917)، مؤمناً بانتصار الشيوعية حيث ألقى العديد من المحاضرات التي بشّر فيها للنظام الجديد، وشارك في رسم ملصقات دعائية، كما كتب نص مسرحية "ميستيريا – بوف"، التي أخرجها فسيفولود مييرهولد، والتي لم يوافق على عرضها إلا عام 1921 بعد إجراء عدّة تغييرات لتناسب ذوق قادة الحزب البلشفي.
ازدادت انتقاداته لتصرفات بعض الرفاق التي اعتبرها ردّة لعادات برجوازية مبتذلة، قابله امتعاض العديد من المسؤولين من آرائه ونصوصه، وتشير روايات أنه تعرّض إلى مضايقات من السلطة أدت في النهاية إلى انتحاره.
يسجّل ماياكوفسكي في قصيدة "غيمة في بنطلون":
كنت أظن من قبل
أنهم يكتبون مؤلفاتهم هكذا:
يجيء الشاعر
ويفتح شفتيه بسهولة
وسرعان ما يتغنّى المغفَّل الملهَم،
ولا شيء غير هذا.
لكن يبدو
أنهم قبل أن يبدؤوا أغنيتهم
يقرعون الغرفة طويلاً، وقد استبدَّ بهم التذمّرُ،
وبهدوء تتخبّط في طحلب القلب
سمكةُ المخيّلة البلهاء.
وريثما يسلقون، مصأصئين بالقوافي،
طبخةً ما من حُبٍّ وعنادل،
يتلّوى الشارع دونما لسان
عاجزاً عن أن يصرخ أو يتحدّث.