ذكرى ميلاد: عبد الرحمن منيف.. رؤيا الأوطان

29 مايو 2018
(عبد الرحمن منيف)
+ الخط -

منذ روايتك الأولى "الأشجار واغتيال مرزوق" (1973) كنتَ تؤرّخ لمرحلة جديدة بدأت ولم تنته؛ بطلا العمل تتملكّهما أسئلة لا إجابة عنها حتى اليوم، إلياس نخلة الذي خسر أرضاً ورثها عن أبيه وزوجته، ولم يوفّق في عمل واحد اشتغل فيه، وبدّد ثروته في لعب القمار، ومنصور عبد السلام الذي يُفصل من وظيفته كمدّرس للتاريخ في إحدى الجامعات بسبب نشاطه السياسي ويُترك للفقر والجوع وملاحقة المخبرين.

لم تكن هزيمة حزيران/ يونيو 1967 منازلةً خسرتها جيوش وأنظمة فقط، هكذا رأيتها أنت باكراً وقبل كثيرين غيرك، كانت بالنسبة إليك نقطة مرجعية عرّت خيبات سجننا الكبير من المحيط إلى الخليج، وكشفت أزمات مجتمعاتنا التي يسافر أبناؤها في القطار الذي استقلّه نخلة وعبد السلام خارج وطن لا يخرج منهم، فهُم مرتبطون بخرائطه ومصائره التي لا يزال يُعبث بها.

هل كان لتخصّصك في مجال اقتصاديات البترول دور في تكوين وعيك كروائي ومثقف؟ بالضرورة منحكَ ذلك نظرة واقعية في بناء أعمالك ومضامينها، لكنك كنت مشغولاً منذ بداياتك في تحليل صراع القوى الكبرى على تقاسم المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، التي رأيت أن التزاماتها وأعبائها دفعت الولايات المتحدة إلى اتخاذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر ذريعة لبدء تقاسم جديد، يكون العالم العربي إحدى ساحاته.

وهل كانت سيرتك محفزّاً لأن تتجاوز حدود الجغرافيا الضيقة، وتنظر إلى الصورة بكليانيتها بعيداً عن أوهام القطرية والوطنيات المصطنعة؟ ربما لن نقع على كاتب بمكانتك أتت حياته الشخصية مطابقة لرؤاه، وأنت السعودي المولود في عمّان حيث تربى وأنهى تعليمه المدرسي، والذي التحق ببغداد والقاهرة ليكمل دراساته هناك، ثم تنقّل بين العراق ولبنان وسورية التي رحل فيها.

تعود في روايتك "سباق المسافات الطويلة" (1979) لتقارن بين الفقر وتردي الواقع العربي وبين فساد حكوماته كأنهما معادلة لمنطق واحد يرتبط بالصراع الإمبريالي، لتقدّم نموذجاً لأدب ما بعد الكولنيالية لم تغفل فيه عن تناقضات الداخل كما لم تعمَ عن تدخلات الخارج، وبسبب ذلك لم تنجر إلى أوهام الاختلاف بين تشكّل نظام عربي ونظام عربي آخر، أو تخدعك شعارات يقدّمها فريق باسم سيادة الأوطان وفريق باسم دمقرطتها.

حين صوّرت انهيار بطلك اليساري رجب إسماعيل وتساقطه في رواية "شرق المتوسط" (1975)، لم يحتمل ذلك نقّاد كثيرون محسوبون على اليسار واعتبروا ما كتبت دعوة إلى تبرير الاستسلام والهزيمة، رغم أنك رأيت ذلك في سياق واقعي محض، حيث تقول على لسان رجب "ها أنذا أعود وقد تعلمت شيئاً واحداً، وأتعلمه بالصدفة. أتعرفون هذا الشيء أيها الجلادون؟ إنه الحقد، ومن حقدي وحقد الملايين سوف نهدم سجونكم، سنهدم سراديبكم، لن نبقي سجناً واحداً يقف على تلك الأرض الممتدة من الشاطيء الشرقي للمتوسط، حتى أعماق الصحراء…"، وفي اختياره لمفردة "الحقد" كان يشير إلى سياق كامل مأزوم عنوان الثأرية والانتقام.

رحل عبد الرحمن منيف (1933 – 1971) بعد أن نبش عوالم مسكوت عنها تواطأت أنظمة وأيديولوجيات على إخفائها، وربما لم يعجب ذلك "قطاع طرق" عبثوا بقبره وحولّوه إلى حطام، لكن الضربة الأوجع أتت من أحد الأصدقاء حين اتهمته زوجة الراحل بسرقة مكتبته التي تضمّ آلاف الكتب ومخطوطات ووثائق خاصة.

المساهمون