تستعيد معظم الكتابات حول تجربتها الحياة القاسية التي عاشتها مع عائلتها، حيث لم تكمل تعليمها وعاشت بعد رحيل والدتها مع شقيقها الذي مات بالسل بعد حياة فاشلة، وشقيقتيها الكاتبتيْن اللتين رحلتا تباعاً بعد موتها فترة بسيطة حيث أصبن الثلاث بمرض ذات الرئة، فآثرت الصمت والعزلة على الاختلاط مع الناس.
اختارت برونتي الغجري هثكليف بطل روايتها "مرتفعات وذرنغ"، الذي عاش الحب منذ طفولته مع ابنة السيد الذي تبّناه وتدعى كاثرين، فظلّ مسكوناً طوال حياته بتلك المرحلة التي كان يلعب ويلهو بلا قيود أو اشتراطات يفرضها المجتمع، والذي كان عليه أن ينصاع إليها حين كبر ويفترق عن حبيبته لأسباب تتعلّق بالفوارق الطبقية والاجتماعية بينهما.
تملّك الشر روح هثكليف فقرّر أن ينتفض في وجه العالم كلّه، لا همّ له سوى الانتقام من لكّل من حرموه من الطفل الذي في داخله عبر انتهاك جميع القوانين والأعراف، والتي يعبر عنها فور سماعه خبر موت حبيبته كاثرين "فلترقبْ العذاب! لماذا هي كاذبة حتى النهاية؟ سأدعو دعاء واحداً وأكرره حتى ييبس لساني! يا كاثرين آرنشو لا تنعمي بالراحة طالما أنا حيّ. لقد قلت إنني قتلتك فلتتلبسني روحك إذن! كوني معي ولازميني دائماً اتخذي أي شكل، ادفعي بي إلى الجنون.. فقط لا تتركيني إلى حيث لا أستطيع أن أجدك. يا إلهي إني لا أستطيع أن أحيا بدون حياتي!".
يعلّق الناقد الفرنسي جورج باتاي على ذلك بقوله "إن الشر هو الوسيلة الأكثر قوّة للكشف عن العاطفة. لو نستثني الشكل السادي للرذيلة، قد نقول بأن الشر، كما يظهر في كتاب إميلي برونتي، قد بلغ شكله الأكثر اكتمالاً".
تمثلت مشاعر هثكليف الحادة والمجنونة تجاه الكون والطبيعة الإنسانية التي تعاني شرخاً عميقاً ودائماً ترتب البشر وتصنفهم وفق أصولهم أو ثقافاتهم أو معتقداتهم، ولأن الكاتبة لم تعش الحب في حياتها فإنها نظرت إليه من خلال مرآة أوجاعها، وربما لذلك ارتبط الحب في عملها بالموت، وكأن حقيقته أو جوهره النقي يعني في نهاية المطاف الخلاص من الحياة.
يكثف هثكليف صورة الحب والموت في أقصى حدودها عندما يصرخ في وجه حبيبته كاثرين وهي تحتضر: "لماذا خنت قلبك يا كاثرين؟ ليس لدي كلمات أواسيك بها. أنت تستحقين ما يحدث لك. أنت أحببتني فبأيّ حق تركتني؟ أجيبي بأي حق! لست أنا من حطّم قلبك أنتِ فعلت ذلك بنفسك، وإذ حطّمته فقد حطمتِ قلبي أيضاً. وأسوأ ما في الأمر إني متين البنية. كيف سأتحمّل الحياة؟ وأي حياة هذه عندما لا تكونين موجودة.. يا إلهي! هل كنتِ سترغبين في الحياة إذا كانت روحك تسكن القبر؟"
لكن برونتي التي أسطرت بطل روايتها هثكليف ومنحته بعداً ربما يتشابه مع أبطال التراجيديات الإغريقية في أحد أوجهه، كانت تقرّ في داخلها أن الحياة تسير وفق قانون محدد يستحيل اختراقه أو تجاوزه إلاّ من الداخل؛ وهو ما فعله هثكليف بانتقامه من عائلة محبوبته بزواجه شقيقة زوجها ليدّمر حياتهم، لكنه في النهاية مات بسبب عذاب الروح وذهاب كل ثروته التي جمعها إلى عائلتي زوجته وحبيبته كإشارة حاسمة على سيادة القانون البشري (بدلاً من الإلهي لدى الإغريق) واعتبار خروج هيثكليف عليه لحظة عابرة، على أهميتها، مصيرها الزوال.