جاءت الترجمة الأولى عن الروسية، لكن الترجمات اللاحقة كانت عبر لغات وسيطة أهمها الإنكليزية والفرنسية، وتوجّهت بشكل أساسي إلى أعماله الروائية ولم تلفت كثيراً لقصائده ومسرحياته الشعرية، ربما لصعوبة تلقيها من جهة وعدم الاطلاع على سياقها الاجتماعي والتاريخي من جهة أخرى، وتأخر وصول مختارات من قصائده حتى أواخر السبعينيات، وكان أبرزها ما قدّمه الناقد العراقي حسب الشيخ جعفر.
وكذلك تأخرت الكتابات النقدية والسيرية أو ترجمتها حول مجمل حياة صاحب "أسير القفقاس" القصيرة والصاخبة، باستثناء تلك الإشارات العابرة في الصحافة العربية في النصف من الأول من القرن الماضي، وظلّ الأمر على حاله حتى عام 1945 حين أصدر نجاتي صدقي كتابه "أمير الشعراء الروس" عن "دار المعارف" في القاهرة، والذي قدّم القليل عن كتاباته والكثير الكثير عن شخصيته بقوالب طغت عليها الإنشائية والتعظيم.
لم تتغيّر الصورة كثيراً بعد ذلك، إذ تعدّدت الترجمات لمختاراته من شعره –التي نُقل كثير منها عن لغات وسيطة- مع اختلافات كثيرة ولا يمسك القارئ العربي على مراجع بلغته تبيّن الأثر الحقيقي الذي تركه بوشكين واستحق أن يوصف بأنه مؤسس الأدب الروسي الحديث، ثم جاءت موجة الكتابات العربية التي تتحدّث عن تأثر بالقرآن والتراث العربي والتي تبدو جميعها متناسخة عن بعضها بعضاً ولا تبييّن بالدقة والتفصيل انعكاس ذلك على أدبه.
وصدرت مجموعة كتب مثل "بوشكين شاعر روسيا والقرآن الكريم" لـ محمد علي البار، و"بوشكين والقرآن" لـ مالك الصقور، ولكنها لم تتجاوز الحقائق التاريخية حول ترجمة اول نسخة من المصحف إلى الروسية عام 1716، والإشارة إلى قصيديته الشهيرتين "من وحي العربي" و"النبي" وبعض مقولاته حول إعجابه الشديد بعذوبة نصوصه، إلا أن ذلك لم يقدّم صورة أشمل أو تذهب أكثر في تفحّص هذا الأثر.
طبعاً، وجدت على الهامش كتابات تركّز على أصول صاحب "الفارس البرونزي" الأفريقية والعربية والتي بالضرورة لا تضيف شيئاً لمكانته وإبداعه، إنما تُكرّس حظوته في ثقافتنا بناء على معطيات متفرّقة هنا وهناك، ويحلّ بعد ذلك اهتمام بنهايته المأساوية حيث قتل في مبارزة مع ضابط فرنسي حاول التودّد لزوجته اعتبرها بعض المؤرخين مكيدة من القيصر للإطاحة به، وإن كانت هذه الواقعة تعني ما تعنيه في المخيال الشعبي الروسي أيضاً.
على هذا النحو رُسمت صورة الشاعر الفارس عربياً، ويكملها وجه آخر يتعلّق بثورية بوشكين الذي عبّر عن أحلام البسطاء في بلاده رغم انتمائه إلى عائلة أرستقراطية، ومعارضته للقيصر التي سبّبت نفيه وانتسابه إلى جماعات سياسية محظورة كانت تبشّر بالثورة، إلى جانب ما عُرف عنه من عناد وصراحة وصدق في القول والعمل.