ذكرى ميلاد: أحمد فؤاد نجم.. نياشين وأعمال كاملة

23 مايو 2018
(غرافيتي لـ نجم في أحد مقاهي القاهرة)
+ الخط -

لعلّك من بين أكثر من حظيَت أعمالهم الكاملة بطبعات متعدّدة ومختلفة.. قد يبدو ذلك أمراً رائعاً وجميلاً. 

غير أنني، دائماً، ما وجدت هذه "الأعمال الكاملة" الخاصّة بك تفارق منطوق هذه التسمية، إذ أشعر أنها منقوصة، وإن حرص الناشرون على تجميع أكبر عدد ممكن من القصائد واجتهدوا في توثيق تواريخها، وأن يجعلوها تصل إلى القارئ وقد رافقتها مقدّمات وتعليقات وترتيبات وتوجيهات. لكن، يبقى هناك شيء أو أشياء تُفلت من صندوق "الأعمال الكاملة".

هي ناقصة، ليس لتقصير أو نسيانٍ أو عجز عن الوصول إلى معلومة، فالنقص المقصود يتعلّق بعناصر ليست في النصوص أصلاً. وكأنّ أعمالك بالذات، وهي مستلقية في حديقة العامية المصرية، تؤكّد على ما تدفع له التصوّرات النقدية الحديثة التي تبلورت في بلدان الشمال الباردة، بأن النصوص كائنات مفتوحة على ما هو أكثر من مكوّناتها.

فهل يمكن أن نتذوّق قصيدة "ممنوع من السفر" من دون أن نستعيد قصّتها فنكتفي مثلاً ببراعة صورها ورشاقة معمارها؟ وهل يكفي أن نُردّد كلمات قصائد مثل "الحمد لله خبّطنا" و"آه يا خي" و"موال الفول واللحمة" من دون أن نكون على خبرة بأحداث التاريخ المصري المعاصر وتقلّباته؟

ثم، هل يمكننا أن نتجاوز - ونحن نعود إلى "عيون الكلام" و"يعيش أهل بلدي" و"الخط دا خطي" – لحنَ الأغنية كما وضعها الشيخ إمام فلا تتردّد في أذهاننا رغماً عنّا؟ وهل لنا أن نقرأ هذه الأشعار من دون الالتفات إلى سيرتك الذاتية، وسير أخرى وُضعت عن حياتك أو أجزاء منها؟ ثم هل يمكن فعل ذلك بمنأى عن مدوّنة بصرية صُنعت حولك في عصر الفضائيات؟

قد نكون بذلك سلّطنا ما هو خارج النص أكثر من اللازم على ما بداخله، ولكن نزعة مضادة كانت دائماً تُفقد النصوص الكثير من نكهتها. ها أننا، إذاً، نعرف أن قراءة النصوص محاولة ليست هيّنة للاحتفاظ بتوازن ما.

لعلّك محظوظ بأن ثغرات المعنى التي في نصوصك يمكن أن تملأها مساهمات أصدقاء ومؤرّخين ومُحبّين، فما أكثر ما يمكن أن يُكتب عن قصائدك وحولها من حكايات وسياقات لسدّ كل نقص. ومع ذلك، أنا متيقّن بأن هذا الشعور لن يفارقني، فهناك في كلّ مرة ما هو عصيّ عن الإمساك، وليست "الأعمال الكاملة" بالنسبة إليّ إلا شهادة مضادّة على أنه لا يمكن الحديث عن "أعمال كاملة". إنها في كلمة عبارة مجازية.

ليس الأمر مقتصراً عليك، فأنت تعلم مثلي أن شعراء كثيرين صدرت أعمالهم الكاملة وهم على قيد الحياة (أنت منهم). ومن المنطقي ألّا نتحدّث عن أعمال كاملة إلا حين تُطوى حياة المؤلّف نهائياً، فلماذا انتشرت طبعات الأعمال الكاملة للمؤلّفين الأحياء بهذا الشكل في ثقافتنا؟

بعد رحيلك، والاطمئنان على أن الناشرين قد بلغوا أشواطاً متقدّمة من تجميع نصوصك، ستظل الإشكالية نفسها: ليس هناك "أعمال كاملة".

قد تتساءل لماذا أطرح عليك أنت بالذات هذه المسألة. كل ما في الأمر هو أنني أجد أن المفارقة أكثر سطوعاً في أعمالك أنت. إنها الأكثر إفلاتاً من القالب. كما يوجد سبب آخر، أنت شاعر صريح، ويُمكن أن تجهر بالقول إن "الأعمال الكاملة" تحوّلت في ثقافتنا، أغلب الوقت، إلى نياشين.

المساهمون