ذكرى الاستقلال في تونس ..تاريخ واحد وعدة دلالات
تزينت مدنٌ تونسية عديدة بأعلام تونس، لتعيد إلى أذهان التونسيين محامل تاريخ وذكرى، كانت محطة احتفالية مهمة في استقلال بلدهم، وانطلاق مسار بناء الدولة، بعد خروج المستعمر الفرنسي، والذي فرض الحماية، ثم الاحتلال، انطلاقاً من سنة 1881. عيد الاستقلال هو المناسبة الوطنية الأبرز، طوال ثلاثة عقود من 1956 إلى 1987، قبل أَن يدخل التاريخ في منافسة شرسة مع "تاريخ جديد"، هو السابع من نوفمبر/تشرين الثاني، انطلاقاً من 1988.
الآن، وقد مرت سنوات أَربع على رحيل نظام بن علي، وودع التونسيون كرنفالاً سنوياً، يجوب الشمال والجنوب، كل سابع من شهر نوفمبر، فيحق أَن نسأل عن مدى استعادة تاريخ استقلال تونس بريقه وحضوره لدى التونسيين، وعن حضور هذا التاريخ في مخيال التونسيين الجمعي والفردي. أن نتوقف عند الدلالات السياسية لدى ألوان الطيف السياسي في تونس، ودرجة انسجامها مع المزاج الشعبي الوطني، المنهك جراءَ طول طريق مطاردة الأحلام المتضائلة يوما بعد آخر.
بداية، ينبغي الإشارة إلى قدر تاريخ استقلال تونس، في علاقة بمنسوب بعده الوطني، جراء منافسة استعاضت بتاريخ جديد، هو تاريخ ثورة تونس في 14 يناير/ كانون أول، وهكذا، يجبر تاريخ الاستقلال على اقتسام دلالته الرمزية الوطنية مع تاريخ جديد، لاحظ المتابعون من مختلف السياقات أَنه صار محطة وطنية من درجة ثانية، بالنظر إلى صوت الثورة العالي، خصوصاً إثر صعود قوى سياسية جديدة، تعتبر تونس الثورة اللبنة الأولى في مسار الحرية والاستقلالية، من بوابة إعادة كتابة تاريخ البلاد، أو من نافذة الانضباط الأيديولوجي، أو حتى من ضيق النظر السياسي الموغل في البراغماتية.
العشرون من مارس، التاريخ الرمز الذي أَنفق في إنشاده المغنون والشعراء، وجانب كبير من مؤرخي الحركة الوطنية، يسقط، إذن، في حلبة الصراع السياسي، لتتعدد دلالاته، وتتضاءل أو تزيد رمزيته، كل حسب مزاجه السياسي ومرجعياته وعقائده المحلية، أو المستوردة.
الإسلاميون عموماً لم يخفوا، إطلاقاً، مواضعة تاريخ استقلال تونس، ضمن خيار تغريبي مهادن، انحرف بالبلاد عن طموح أهلها، وذهب في طمس هويتها الحضارية العربية الإسلامية، لصالح مذهب فرنكفوني، مرتبط بأجندة مستعمر، ظل باسطاً نفوذه على ثروات الوطن وثقافته، بما يجعل من ذكرى الاستقلال تاريخاً لبروتوكولٍ، اكتفى به الزعيم بورقيبة، أول حاكم للبلاد، ليصير بروتوكول الاستقلال، عوض عيد الاستقلال، وفق بعضهم.
وتذهب التيارات السياسية الأخرى، اليسارية غالباً، إلى الزج بكل فترة ما بعد الاستقلال، ضمن انحرافٍ تاريخي، لم يحقق للبلاد سوى الخراب في مختلف الأَوجه. التيارات القومية، مثلاً، تصادر مقولة الاستقلال التونسي، كقاطع مع الاحتلال الفرنسي، فتاريخ مارس، بالنسبة إليهم، مجرد انزياح بورقيبي عن مسار حركة التحرر الوطني المرتبط، موضوعياً وتاريخياً، بحركات التحرر المغاربية، خصوصاً حركة التحرير الجزائرية التي تنكر لها الزعيم بورقيبة.
ربما ما زالت ذكرى الاستقلال تعني كثيراً لجيل كابد الواقع الاستعماري، إِلا أَن الأَمر مختلف لدى سياسيين كثيرين في تونس اليوم، إِيماناً بجذرية القطيعة الثورية، أَو تعلقاً بواقعٍ جديد، ما زالت آليات صنعه سجينة ضبابية الخطاب الثوري، وعطالة نخبها الجديدة.