وعلى بعد مئات الأمتار من الضريح، يُحيي "تيار المستقبل" وحلفاؤه الذكرى السنوية الـ12 لاغتيال مؤسس التيار، في ظل توافق سياسي أتى بعد مرحلة خصومة سياسية حادة بين المكونات الأساسية للمشهد السياسي في لبنان طوال عقد كامل. ويأتي هذا التوافق الاستثنائي بعد أن رفع سعد الحريري "بوصلة رفيق الحريري" لإقناع جمهوره بالمضي معه بالتسوية السياسية التي أفضت إلى انتخاب الرئيس الحالي ميشال عون، رغم كونه الحليف الأكبر لـ"حزب الله" المتهم بتنفيذ عملية اغتيال الحريري الأب.
وفي فصل تام لمسار "كشف الحقيقة" في الاغتيال عن الأحداث السياسية اللبنانية، وضع الحريري ملف التحقيق بعهدة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي تحاكم 5 عناصر من "حزب الله" غيابياً بتهمة تنفيذ التفجير، ومضى قدماً في التسوية التي أعادته إلى موقع رئاسة الوزراء. بينما أبقى "حزب الله" قادته المطلوبين للمحاكمة على رأس مهامهم الأمنية والعسكرية في لبنان وسورية والعراق واليمن، وربط خياراته السياسية الداخلية برفض هذه المحكمة ومندرجاتها. ولولا نعي القائد العسكري للحزب، مصطفى بدر الدين، المطلوب للمحكمة العام الماضي، لبقي مصير المطلوبين كلهم مجهولاً للرأي العام ولقضاة المحكمة.
وبعد أن جمع اغتيال الحريري حركاتٍ وأحزاباً وتياراتٍ سياسية عديدة في لبنان، فرقتهم الخيارات السياسية خلال السنوات الاثنتي عشرة؛ فتوسَّع خلاف الحريري مع "القوات اللبنانية" قبل أن يجبره تلاقي الطرفين عند الرئيس عون في تسويتين منفصلتين توحدتا حول انتخابه.
كما أصبح رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي"، وليد جنبلاط، "وسطياً" يتلقى التطمينات الأمنية والسياسية من أمين عام "حزب الله"، حسن نصر الله، بعد أن كان رأس حربة في مشروع "الحرية والسيادة والاستقلال"، الذي قاده "المستقبل" و"القوات" و"الاشتراكيون" ضد النظام السوري وحلفائه في لبنان. وأصبح "حزب الكتائب" خارج السلطة، بعد فشل الرئيس الحريري في حجز مقعد وزاري وازن للكتائب في حكومته الثانية. كما طاولت الخلافات "البيت السني" في لبنان، وتحول "إرث رفيق الحريري السياسي" إلى مادة تنازع بين سعد الحريري وبين المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي ووزير العدل السابق، أشرف ريفي.
وتخلل الخلافات السياسية، خلال السنوات التالية لاغتيال الحريري الأب، انتقالُ الوصاية الأمنية والعسكرية على لبنان من أيدي عناصر وضباط "جهاز الأمن والاستطلاع" في الجيش السوري إلى "حزب الله"، الحليف الأقوى لسورية، والذي تمدد في عمله العسكري إلى قلب الأراضي السورية دفاعاً عن النظام، وأيضاً لـ"قتال التكفيريين"، كما يقول قادته. وذلك في تجاوز عملي ومباشر لشعارات عديدة رفعها سعد الحريري بوجه "حزب الله" من "العبور إلى الدولة" و"لبنان أولاً".
واليوم يتبنى ميشال عون، بوصفه رئيساً للبنان، خيارات "حزب الله" العسكرية والسياسية، كما يؤيد بقاء سلاحه "لمواجهة العدو الإسرائيلي"، وفي مقابل هذا التبني الصريح، يمضي الإحياء السنوي بذكرى اغتيال رفيق الحريري دون مقومات لـ"العبور إلى الدولة"، أو لإحياء شعار "لبنان أولاً".
وألقى الرئيس الحريري كلمة في الاحتفال الذي حضره عدد كبير من السياسيين اللبنانيين قال فيها إن فريقه السياسي "ما زال في مشروع العبور إلى الدولة، والبلد اليوم في نطاق الأمان الشرعي والدستوري".
وأكد الحريري أن "لا مرجعية تعلو فوق مرجعية الدولة، ولا مرجعية الاستقواء بالخارج، سواء كان صديقا أو حليفا".
واعتبر أن "فريق الرئيس رفيق الحريري هو أم الصبي ونحن تيار مُبادر لتأمين استمرار البلد، ولكن الثوابت عندنا لا نتخلى عنها، ومنها الموقف من النظام السوري ومن عدم شرعية سلاح حزب الله وتدخله في سورية".
ونفى الحريري وجود أي توافق على سلاح "حزب الله لا في مجلس الوزراء ولا في البرلمان ولا على طاولة الحوار".
ورأى أن "سياسة العناد والعزل والاعتكاف عن المبادرة هي سياسة عقيمة"، لافتاً إلى "أننا ساومنا حفاظاً على الاستقرار، لكن لن نساوم على الثوابت وما يحمي لبنان هو الإجماع حول الجيش والقوى الشرعية والدولة".
واستخدم الحريري عبارة "لبنان أكبر من أن يُبلع وأصغر من أن يُقَسّم"، وهي نفس العبارة التي أطلقها الرئيس ميشال عون خلال قيادته للجيش اللبناني بين عامي 1984 و1989. وأكد أن "لبنان لن يكون لا اليوم ولا غدا جزءا من أي محور ضد أشقائه العرب، ونحن لا نسمح أن يكون لبنان ساحة لصراع الآخرين على أرضه، لكننا جزء من وطننا العربي والدفاع عن مصالحه".
وتطرق الحريري في كلمته إلى ملف قانون الانتخابات مؤكداً أن تيار المستقبل "سيقترع تحت أي قانون يقره المجلس النيابي".