ذعر التسوق: تفجيرات العراق تغيّر السلوكيات الاستهلاكية

14 يناير 2017
التفجيرات تضرب الاقتصاد العراقي (صباح عرار/ فرانس برس)
+ الخط -
بدأ العراقيون في العاصمة بغداد باتخاذ تدابير احترازية عبر تقليل حركتهم وتجمعاتهم في الأسواق الشعبية والساحات العامة خشية التفجيرات المتكررة التي تطاول بغداد بشكل خاص وعادة ما تستهدف الأسواق الشعبية والمراكز التجارية الرخيصة، حيث سجلت خلال الأسبوعين الماضيين تسعة انفجارات في أسواق مختلفة راح ضحيتها أكثر من 300 مدني بين قتيل وجريح وتبنى بعض هذه التفجيرات تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

وعلى أثر هذه المخاوف، تراجعت حركة الأسواق وبات الزخم اليومي على المناطق التجارية أقل بكثير من الفترات السابقة، كما أن الداخل إلى الأسواق لا يتأخر في التجول بين المحلات والدكاكين ويشتري حاجاته بسرعة ويمضي، خوفاً من وقوع أي تفجير أو حدث أمني في مكان تواجده. هذا الواقع، أدى بطبيعة الحال إلى تراجع في الحركة التجارية، وزيادة شكاوى التجار. ولم تقتصر التغييرات على التسوق، وإنما امتدت إلى انحسار عدد العراقيين الذين يقصدون المتنزهات العامة، ما خفض إفادة الباعة المتجولين من مبيعاتهم في تلك المرافق.

تأثير على الاقتصاد

ووفقاً لمصادر في غرفة تجارة بغداد فإن الحركة انخفضت بنحو 40% عما كانت عليه سابقاً في أسواق بغداد، وهناك تفضيل للمولات التجارية المغلقة على تلك الشعبية رغم تفاوت الأسعار فيما بينها.
ويوضح عضو غرفة تجارة بغداد خالد العلي لـ"العربي الجديد" أنه "بكل تأكيد تؤثر التفجيرات التي تتركز في الأسواق على الاقتصاد ومدخول فئة من التجار والباعة الذين يعملون في الأسواق الشعبية".

ويشرح أن تراجع عدد زوار الأسواق الشعبية "يصب في صالح التجار وأصحاب المحال الراقية والمولات التي تبيع بسعر أغلى من الأسواق الشعبية رغم أنه في كثير من الأحيان تكون البضاعة هي نفسها". مبيناً أن "إجراءات الشرطة الوحيدة المعتمدة، هي مزيد من الكتل الخرسانية حول الأسواق والمناطق الشعبية ولا شيء غيرها".
ويصف العلي الباعة في الأسواق الشعبية بأن قسما منهم ترك الأسواق وآخرين يعتبرون حالياً انتحاريين لبقائهم في هذه الأسواق والمناطق رغم التهديدات المتكررة بتفجيرات جديدة.

ويقول المواطن حيدر الحسيني (46 عاماً) لـ"العربي الجديد" إن "التواجد في الأسواق بات غير آمن على الإطلاق".
ويضيف أنه "رغم جمالية التسوق ومتعته لكن للضرورة أحكاما، لذلك علينا تخفيف حركتنا في تلك الأسواق وشراء الحاجيات من محال تجارية قريبة من منازلنا". مبيناً أن "سلسلة التفجيرات التي ضربت بغداد في الآونة الأخيرة أقلقت سكان العاصمة بشكل غير مسبوق فهي تستهدف أي تجمع بشري أو سكاني وخاصة الأسواق الشعبية المكتظة، وهذا دفع الكثيرين للعزوف عن التسوق".

زيادة الباعة المتجولين

ونشطت بسبب التفجيرات ظاهرة الباعة المتجولين بشكل كبير بعد إحجام الكثير من سكان العاصمة عن الذهاب إلى الأسواق الشعبية المزدحمة خشية التفجيرات. وانتشرت العربات الحديدية التي تجرها الدراجات النارية في أنحاء العاصمة، لبيع السلع المختلفة بالقرب من المساكن والأحياء، وبعيداً عن الأسواق التي يخشاها المواطنون.
مضر فرج (40 عاماً) من سكان بغداد يقول لـ "العربي الجديد" إنه: "بسبب عزوف الكثير من الأهالي عن التوجه إلى الأسواق المزدحمة نشطت ظاهرة الباعة المتجولين لمختلف السلع بدءاً من المواد الغذائية والمستلزمات المنزلية والفواكه والخضروات التي توفر على الأهالي عناء الانتقال إلى السوق ومخاطرة الذهاب إلى مناطق بغداد المزدحمة".

ويتابع فرج "أصبح الذهاب إلى الأسواق المكتظة أشبه بالمغامرة بعد سلسلة التفجيرات التي ضربت بغداد مؤخراً أمام عجز السلطات الأمنية عن إيقاف تلك التفجيرات الدموية والقلق الشديد الذي نعيشه في الشارع والسوق وفي كل مكان تقريباً".
ووجد الباعة المتجولون فرصتهم لكسب الرزق وسط موجة القلق والخوف التي تجتاح سكان العاصمة بغداد ليتجولوا بعرباتهم التي تجرها دراجات نارية لبيع مختلف أنواع البضائع والسلع بين أزقة وأحياء العاصمة.

مازن الزبيدي (32 عاماً) وجد لنفسه عملاً في هذه الظروف القاسية في بغداد بعد شرائه عربة ميكانيكية لبيع البضائع بما جمعه من مال من عمله السابق موضحاً أنه "بسبب عزوف الكثيرين عن الذهاب إلى الأسواق خوفاً من التفجيرات وجدنا كباعة متجولين فرصة لنا لكسب الرزق وتوفير حاجة الأهالي للسلع المختلفة".
ويبين الزبيدي لـ"العربي الجديد" أن" ظاهرة الباعة المتجولين كانت تقتصر سابقاً على بيع الحلويات للأطفال أو بيع بعض المأكولات الشعبية المعروفة من خلال العربات، لكنها اليوم تطورت مع التدهور الأمني إلى عربات حديدية تسحبها دراجات نارية لبيع كل شيء تقريباً من مواد غذائية ومنزلية وسلع مختلفة... حتى أننا نبيع المواد الكهربائية وغيرها من المواد والسلع التي يحتاج لها المواطن".

ويؤكد الزبيدي أن "ظاهرة الباعة المتجولين نشطت بشكل كبير مؤخراً مع تزايد التفجيرات التي تضرب الأسواق الشعبية في مختلف أنحاء العاصمة بغداد، كون هؤلاء الباعة أصبحوا بدائل فعليين للأسر العراقية يمكن اعتمادهم لتأمين الحاجات والمستلزمات الأساسية".

تنشيط المقاهي الصغيرة

ولا يقتصر الأمر على الأسواق الشعبية المزدحمة بل زاد قلق الأهالي من التجمعات في الأماكن والساحات العامة كالمتنزهات مثلاً، ما دفعهم لإيجاد بدائل كزيارة الأقارب والأصدقاء أو تنظيم جلسات عائلية خاصة.
يقول حمزة عادل (33 عاماً) "أصبح أي تجمع بشري في بغداد يثير القلق خوفاً من التفجيرات التي قد تضرب تلك التجمعات في أي لحظة، لذلك توجه أغلب الناس نحو العزوف عن تلك التجمعات والأماكن العامة إلى الجلسات العائلية أو المقاهي الشعبية الصغيرة".

وتجد الأسر في المراكز التجارية فرصة للتنزه بعيداً عن التجمعات الشعبية نظراً للإجراءات الأمنية المشددة عبر حراسات خاصة متوافرة في هذه المتاجر.
كما يفصح عبد الودود القريشي موضحاً أن "الأفق أصبح ضيقاً أمام سكان العاصمة بسبب التفجيرات التي تستهدف الأماكن العامة والتجمعات البشرية والأسواق، ونجد لأسرنا فرصة للتنزه والتبضع في المولات التجارية كونها مؤمنة نسبياً بحراسات خاصة مقارنة بباقي الأماكن".

وضربت العاصمة بغداد مؤخراً موجة تفجيرات عنيفة استهدفت أماكن عامة وأسواقاً شعبية وأحياء سكنية راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح وسط انتقادات لاذعة للحكومة العراقية ومظاهرات شعبية خرجت في بغداد مطالبة الحكومة بوضع حد للتدهور الأمني.


المساهمون