تُعيد المواجهات الحربية والحشود العسكرية في المحافظات الجنوبية والوسطى الحدودية، اليمنيين إلى ذاكرة مثخنة بالصراعات والحروب الأهلية المناطقية والشطرية، والتي كان أبرزها حرب العام 1986 بين أجنحة الحزب الاشتراكي في عدن، وحرب صيف العام 1994 بين قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحلفائه والقوات الجنوبية الموالية للحزب الاشتراكي اليمني، بقيادة علي سالم البيض.
في الحرب الأولى، انفجر الصراع في 13 يناير/كانون الثاني 1986 بين أجنحة الحزب الاشتراكي الحاكم في جنوبي اليمن قبل الوحدة، وتحديداً قوات الرئيس الأسبق علي ناصر محمد ومن تحالف معه من الحزب، والجناح الآخر، الذي كان أبرز رموزه علي عنتر، وعبد الفتاح اسماعيل الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي.
أخذ الصراع طابعاً مناطقياً، بين المنتمين لمحافظة أبين من جهة وبين المنتمين للضالع ولحج من جهة أخرى. وتذكر أغلب الروايات باختصار أن علي ناصر، الذي كان يشغل منصب الرئيس حينها، ومجموعته، خططوا للتخلّص من الفريق الآخر داخل الحزب، بعد اتهامهم بالتحضير لانقلاب يطيح بالرئيس.
بدأت شرارة الحرب عبر تصفية حراس علي ناصر، أبرز قيادات الحزب غير الموالية له في اجتماع المكتب السياسي للحزب، وعلى رأسهم علي عنتر المنتمي لمحافظة الضالع، بالتزامن مع اجتماعات على مستويات أقل، عُقدت في أكثر من مرفق حكومي ومقرات عسكرية وأمنية، جرت فيها محاولات لتصفية المحسوبين على الطرف الأخر.
اقرأ أيضاً: استعداء الجميع
شملت الحرب والمواجهات كل التشكيلات العسكرية، وبدأت التصفيات تتمّ على أساس مناطقي، ودامت حوالي أسبوعين وسقط ضحيتها من 10 آلاف إلى 20 ألف مواطن، كان جزء منهم من القيادات والكوادر البارزة. انتهت الحرب بتمكن الجناح المعارض لناصر من الاستيلاء على عدن، ونزوح علي ناصر ونحو 30 ألفاً من العسكريين والمدنيين الموالين له إلى الشمال. وكانت أحداث 1986 الأكثر دموية في الذاكرة اليمنية، ولا تزال آثارها جزءاً من عوامل الصراع حتى اليوم، على الرغم من دعوات التصالح والتسامح بين الطرفين، التي انطلقت مع "الحراك الجنوبي" منذ العام 2007.
وفي 22 مايو/أيار 1990، جرت إعادة توحيد اليمن باتفاق بين رئيس الشطر الجنوبي، علي سالم البيض، ورئيس الشطر الشمالي علي عبدالله صالح. وبموجب الاتفاق وُلد كيان الجمهورية اليمنية، وكانت الوحدة تستند إلى ظهر إقليمي وداعم قوي، هو الرئيس العراقي السابق، صدام حسين.
لكن غزو العراق للكويت في أغسطس/آب من السنة نفسها جاء ليغيّر المعادلة الإقليمية، فقد أيّد اليمن العراق، عكس معظم الدول العربية، ورفض استقدام قوى دولية. وكان ثمن هذا الموقف أن انعكس على الداخل ليشجع الخلاف بين شريكي الوحدة، الذي بلغ ذروته في العام 1994.
وتطوّر الخلاف بين الفريقين، إلى أن اندلع القتال مطلع مايو/أيار 1994، بين قوات الرئيس صالح والقوات الجنوبية الموالية لنائب رئيس الجمهورية، علي سالم البيض، الذي اتخذ من عدن مقراً له، رافضاً العودة إلى صنعاء، التي اتهمته بالتحضير للانفصال.
وكانت من الأخطاء التي ساعدت على اندلاع الحرب عدم توحيد الجيش، إذ إن أغلب الوحدات الجنوبية تابعة للبيض، والشمالية تابعة لصالح. استمرت الحرب ثلاثة أشهر، وانتهت في يوليو/تموز، وسقط خلالها نحو سبعة آلاف قتيل.
وأعلن البيض الانفصال خلال الحرب في 21 مايو/أيار، ورفعت القوات المناوئة له شعار "الوحدة أو الموت"، وكانت الجبهة الداخلية في مصلحة صالح، الذي كان متحالفاً مع حزب "التجمع اليمني للإصلاح" (تحالف إخواني قبلي) وحتى مع السلفيين. كما كان متحالفاً مع القوات الجنوبية التي هُزمت في حرب 1986 ونزحت إلى الشمال، لتشارك في حرب 1994 إلى جانبه. وكانت هذه القوات بقيادة عبدربه منصور هادي، الذي عينه صالح، أثناء الحرب، وزيراً للدفاع، وبعد الحرب عينه نائباً لرئيس الجمهورية، خلفاً للبيض، الذي هُزم وغادر البلاد.
انتهت الحرب في 7 يوليو 1994 بدخول القوات الموالية لصالح إلى عدن والمكلا، وقُدّرت تكلفة الحرب بأكثر من 10 مليارات دولار، وزاد المناخ الدولي والإقليمي من تعقيد الأزمة، إذ كانت أغلب الدول الخليجية تدعم الانفصال، باستثناء قطر.
شكلت حربا 1986 و1994 قاعدةً للتحالفات وخارطة للنزاعات السياسية والجروح، فبعد العام 1994 نزح جناح البيض إلى خارج البلاد، وحلّ جناح هادي الذي كان قد هُزم في 1986، في العديد من مواقع الشراكة في السلطة مع صالح بدلاً من البيض.
وشهدت الفترة من العام 1994 إلى العام 2004 استقراراً نسبياً، بدأت بعدها حروب صعدة بين الحكومة والحوثيين، الذين خاضوا ستة حروب بين عامي 2004 و2010 مع حكومة صنعاء. كما اندلعت احتجاجات "الحراك الحنوبي"، على خلفيات المطالبة بحقوقهم جرّاء حرب 1994، ثم تطورت إلى دعوات الانفصال. وفي العام 2011 اندلعت الثورة ضد صالح، لتصعد بنائبه هادي إلى الحكم، وصولاً إلى تحوّل الأزمة من جديد إلى شمال وجنوب.
وغادر الرئيس هادي صنعاء بعد شهر من الإقامة الجبرية التي فرضتها عليه جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) التي سيطرت على العاصمة، وانتقل إلى عدن، قبل أن يخرج صالح، الذي دعم إسقاط هادي، مهدداً بحرب ضد من وصفهم "المهرولين إلى عدن من أجل الانفصال"، على غرار حرب صيف 1994. ولاح الانفصال من جديد مع خروج أغلب الوحدات العسكرية والأمنية عن سيطرة هادي، في مقابل الحشد الذي اتخذ طابعاً شطرياً نوعاً ما للالتفاف مع هادي.
اقرأ أيضاً: "هيومن رايتس ووتش": الحوثيون خطر على الإعلام اليمني
في الحرب الأولى، انفجر الصراع في 13 يناير/كانون الثاني 1986 بين أجنحة الحزب الاشتراكي الحاكم في جنوبي اليمن قبل الوحدة، وتحديداً قوات الرئيس الأسبق علي ناصر محمد ومن تحالف معه من الحزب، والجناح الآخر، الذي كان أبرز رموزه علي عنتر، وعبد الفتاح اسماعيل الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي.
أخذ الصراع طابعاً مناطقياً، بين المنتمين لمحافظة أبين من جهة وبين المنتمين للضالع ولحج من جهة أخرى. وتذكر أغلب الروايات باختصار أن علي ناصر، الذي كان يشغل منصب الرئيس حينها، ومجموعته، خططوا للتخلّص من الفريق الآخر داخل الحزب، بعد اتهامهم بالتحضير لانقلاب يطيح بالرئيس.
اقرأ أيضاً: استعداء الجميع
شملت الحرب والمواجهات كل التشكيلات العسكرية، وبدأت التصفيات تتمّ على أساس مناطقي، ودامت حوالي أسبوعين وسقط ضحيتها من 10 آلاف إلى 20 ألف مواطن، كان جزء منهم من القيادات والكوادر البارزة. انتهت الحرب بتمكن الجناح المعارض لناصر من الاستيلاء على عدن، ونزوح علي ناصر ونحو 30 ألفاً من العسكريين والمدنيين الموالين له إلى الشمال. وكانت أحداث 1986 الأكثر دموية في الذاكرة اليمنية، ولا تزال آثارها جزءاً من عوامل الصراع حتى اليوم، على الرغم من دعوات التصالح والتسامح بين الطرفين، التي انطلقت مع "الحراك الجنوبي" منذ العام 2007.
وفي 22 مايو/أيار 1990، جرت إعادة توحيد اليمن باتفاق بين رئيس الشطر الجنوبي، علي سالم البيض، ورئيس الشطر الشمالي علي عبدالله صالح. وبموجب الاتفاق وُلد كيان الجمهورية اليمنية، وكانت الوحدة تستند إلى ظهر إقليمي وداعم قوي، هو الرئيس العراقي السابق، صدام حسين.
لكن غزو العراق للكويت في أغسطس/آب من السنة نفسها جاء ليغيّر المعادلة الإقليمية، فقد أيّد اليمن العراق، عكس معظم الدول العربية، ورفض استقدام قوى دولية. وكان ثمن هذا الموقف أن انعكس على الداخل ليشجع الخلاف بين شريكي الوحدة، الذي بلغ ذروته في العام 1994.
وتطوّر الخلاف بين الفريقين، إلى أن اندلع القتال مطلع مايو/أيار 1994، بين قوات الرئيس صالح والقوات الجنوبية الموالية لنائب رئيس الجمهورية، علي سالم البيض، الذي اتخذ من عدن مقراً له، رافضاً العودة إلى صنعاء، التي اتهمته بالتحضير للانفصال.
وكانت من الأخطاء التي ساعدت على اندلاع الحرب عدم توحيد الجيش، إذ إن أغلب الوحدات الجنوبية تابعة للبيض، والشمالية تابعة لصالح. استمرت الحرب ثلاثة أشهر، وانتهت في يوليو/تموز، وسقط خلالها نحو سبعة آلاف قتيل.
وأعلن البيض الانفصال خلال الحرب في 21 مايو/أيار، ورفعت القوات المناوئة له شعار "الوحدة أو الموت"، وكانت الجبهة الداخلية في مصلحة صالح، الذي كان متحالفاً مع حزب "التجمع اليمني للإصلاح" (تحالف إخواني قبلي) وحتى مع السلفيين. كما كان متحالفاً مع القوات الجنوبية التي هُزمت في حرب 1986 ونزحت إلى الشمال، لتشارك في حرب 1994 إلى جانبه. وكانت هذه القوات بقيادة عبدربه منصور هادي، الذي عينه صالح، أثناء الحرب، وزيراً للدفاع، وبعد الحرب عينه نائباً لرئيس الجمهورية، خلفاً للبيض، الذي هُزم وغادر البلاد.
انتهت الحرب في 7 يوليو 1994 بدخول القوات الموالية لصالح إلى عدن والمكلا، وقُدّرت تكلفة الحرب بأكثر من 10 مليارات دولار، وزاد المناخ الدولي والإقليمي من تعقيد الأزمة، إذ كانت أغلب الدول الخليجية تدعم الانفصال، باستثناء قطر.
شكلت حربا 1986 و1994 قاعدةً للتحالفات وخارطة للنزاعات السياسية والجروح، فبعد العام 1994 نزح جناح البيض إلى خارج البلاد، وحلّ جناح هادي الذي كان قد هُزم في 1986، في العديد من مواقع الشراكة في السلطة مع صالح بدلاً من البيض.
وشهدت الفترة من العام 1994 إلى العام 2004 استقراراً نسبياً، بدأت بعدها حروب صعدة بين الحكومة والحوثيين، الذين خاضوا ستة حروب بين عامي 2004 و2010 مع حكومة صنعاء. كما اندلعت احتجاجات "الحراك الحنوبي"، على خلفيات المطالبة بحقوقهم جرّاء حرب 1994، ثم تطورت إلى دعوات الانفصال. وفي العام 2011 اندلعت الثورة ضد صالح، لتصعد بنائبه هادي إلى الحكم، وصولاً إلى تحوّل الأزمة من جديد إلى شمال وجنوب.
وغادر الرئيس هادي صنعاء بعد شهر من الإقامة الجبرية التي فرضتها عليه جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) التي سيطرت على العاصمة، وانتقل إلى عدن، قبل أن يخرج صالح، الذي دعم إسقاط هادي، مهدداً بحرب ضد من وصفهم "المهرولين إلى عدن من أجل الانفصال"، على غرار حرب صيف 1994. ولاح الانفصال من جديد مع خروج أغلب الوحدات العسكرية والأمنية عن سيطرة هادي، في مقابل الحشد الذي اتخذ طابعاً شطرياً نوعاً ما للالتفاف مع هادي.
اقرأ أيضاً: "هيومن رايتس ووتش": الحوثيون خطر على الإعلام اليمني