أبْعَثُ إِليكَ بإِشَارَةٍ منْ خلال اللُّهُب.
القُطْبُ الشَّمَالي غَيَّرَ مَكانَهُ.
المَصِيرُ الظَّاهِرُ لم يَعُدْ ظاهِراً.
الحَضَارَةُ تُخَرِّبُ ذَاتَهَا.
نيمِيسِيسْ تَطْرُقُ البَابَ.
مَا الحَاجَةُ إِلى شُعَرَاء في عَصْرٍ كَهَذَا؟
وفِيمَ يُجْدِي الشِّعْر ؟
المَطْبَعَةُ جعَلَتِ الشِّعْرَ صَامِتاً، إِذِ افْتَقَدَ فيهَا غِنَاءَهُ. فَاجْعَلْهُ أَنْتَ يُغَنِّي مِنْ جَديد!
إِنْ كُنْتَ تُريدُ أَنْ تُصْبِحَ شَاعِراً، أَبْدِعْ أَعْمالاً قَادِرَةً عَلَى رَفْعِ تَّحَدِّيَاتِ قِيَّامَةٍ مَّا، وعِنْدَ الضَّرُورَةِ، بِنَبَرَاتٍ قِيامِيَّةٍ.
أنت ويتمان، أَنت بو، أنت مَاركْ تْوَينْ، أنت إِميلي ديكنْسُون وإِدْنَا سانت ڤانْسَانْ مِيلاَيْ، أَنْت نِيرُودَا ومَايَاكُوفْسكي وبازوليني، أَميركي(ة) أو لا، بإِمكانك أَنْ تَغْزُوَ الغُزَاةَ بِالكَلِمَاتِ.
إِذا كُنْتَ تُريدُ أَنْ تُصْبِحَ شِاعِراً، اكتُبْ صُحُفاً حَيَّةً. كُنْ مُرَاسِلاً مسْتَطْلِعاً في الفَضَاءِ، وابْعَثْ بقُصَاصَاتِكَ إِلى أَعْلَى رئيسِ تحريرٍ يريدُ الحَقيقَةَ، لا شَيءَ غَيْرَ الحَقيقَةِ، ولَيْسَ الهذر.
إِذا كنْتَ تُريدُ أن تُصبحَ شَاعِراً كبيراً، جَرِّبْ كُلَّ أَنْواعِ الشِّعْرِيَّاتِ، النَّحْوِياتِ الإِيرُوسيةِ الضَّاريَةِ، دِيَانَاتِ الشَّطْحِ، التدفُّقاتِ الوَثَنيَّةِ المجنونة، الخِطَابَاتِ العُمُوميَّةِ البَاذِخَةِ، الخَرْبَشَاتِ الأوتوماتيكية، الإِدْرَاكاتِ السُّورْيَالية، تَموُّجَاتِ الوَعْي، الأَصْواتِ المَوْجُودَةِ، الصَّرخاتِ والاعتراضاتِ ـ واخْلُقْ صَوْتَكَ القَاطِعَ كالنَّصْلِ، صَوْتَكَ التَّحْتَانِي، صَوْتَكَ، الصَّوْتَ الذي لَكَ.
إِنْ كُنْتَ تَقُولُ عن نَفْسِكَ إِنَّكَ شَاعِر، لا تَبْقَ بِغَبَاءٍ على كُرْسيِّكَ. ليْسَ الشِّعْرُ نَشَاطاً مقيماً، ولاَ أَريكَةً تُتَّخَذُ. انْهَضْ وأَظْهِرْ لَهُمْ ما تَسْتَطِيعُ أَنْ تفْعَلَهُ.
ازْرَعْ رؤْيَةً شاملةً، ولْتُعَانِقِ العَالَمَ كلُّ نَظْرةٍ منْ نَظَراتِكَ. عَبِّرْ عنِ الوُضُوحِ الشَّاسِعِ لِلعَالَم الخَارِجي، عَنِ الشَّمْسِ التي ترَانَا جميعاً، القَمَرِ الذِي يَنْثُرُ عَليْنَا ظِلالَهُ، البِرَكِ الهَادِئةِ في الحَدَائِقِ، أَشْجَارِ الصَّفْصَافِ حيثُ تُغنِّي مخْتبئَةً عَصَافيرُ السُّمَان، الغَسَقِ الذِي يَهْبطُ على مَجْرَى المَاءِ والفَضَاءَاتِ الكُبْرى التي تَنْفَتِحُ على البَحْر... عَلَى مَدِّ البَحْرِ وصَرْخَةِ البَلَشُون... والنَّاسِ، النَّاسِ، نَعَمْ، جميعاً حول العَالَم، يتكلمون لُغَاتِ بَابِل. امْنَحْهُم جَميعاً صَوْتاً.
سيَكونُ عليْكَ أَن تُقَرِّرَ ما إِذَا كانتْ صرخاتُ الطُّيُورِ من انْتِشَاءٍ أَمْ مِنْ يأْسٍ. وإِذن سَتَعْرِفُ ما إِذَا كُنْتَ شَاعِراً تْراجِيدياً أَمْ شَاعِراً غِنائياً.
إِنْ كُنْتَ تريدُ أَنْ تُصْبحَ شَاعِراً، اكْتَشِفْ صِيغَةً جَديدَةً لِسَكَنِ البَشَرِ عَلَى الأَرْضِ
إِنْ كُنْتَ تريدُ أَن تُصْبحَ شاعراً، اخْتَلِقْ لغَةً جَديدَةً يستطيع كل واحدٍ أن يَفْهَمَها.
إنْ كُنْتَ تُريدُ أَنْ تُصْبِحَ شَاعِراً، أَعلِنْ عن حقائِقَ جديدةٍ لا يَسْتطيعُ العَالَمُ أَنْ يُنْكِرَهَا.
إِنْ كنْتَ تريدُ أَنْ تُصْبحَ شَاعِراً كبيراً، أجهِدْ نَفْسَكَ كي تُدوِّنَ ضَميرَ السُّلاَلَةِ.
بِالفَنِّ، أَبْدِعِ النِّظَامَ انْطِلاقاً مِنْ فَوْضَى الحَيَاة.
اجْعَلِ الأَخْبَارَ جَديدَةً.
اكْتُبْ فِيمَا ورَاءَ الزَّمَن.
اخْتَرِعْ منْ جَديدٍ فِكْرَةَ الجَمَال.
في أَولِ خُيُوطِ الضَّوْءِ، تَجَاسَرْ عَلَى البَذَخِ الشِّعْري. إِنَّ اللَّيْلَ، بَذَخٌ مَأْسَاوي.
انْصِتْ لِحَفِيفِ الأَوْرَاقِ ولِزَخِّ المَطَر.
ضَعِ الأُذُنَ عَلَى التُّرَابِ واسْمَعِ الأَرْضَ تَدُورُ، البَحْرَ يَدْفُقُ، الحيواناتِ المُحْتَضَرَةَ تَنُوحُ.
افْهَمِ الحُبَّ بِمَنْأَى عَنِ الجنْس.
ضَعْ كُلَّ شَيْءٍ والعَالَمَ كُلَّهُ مَوْضِعَ سُؤَال، حَتَّى سُقْرَاط نفْسهُ، الذي كان يُسَائِلُ كُلَّ شيءٍ.
اسْأَلِ "اللَّهَ" وَعِبَادَهُ عَلَى الأَرْض.
كُنْ مُدَمِّراً، لاَ تَتَوقَّفْ عَنْ أَنْ تَتَّهِمَ الوَاقِعَ والوَضْعَ الرَّاهِنَ.
اجْهِدْ نَفْسَكَ لِتُغَيِّرَ العَالَم، ولَسْتَ في حَاجَةٍ إِلى أَنْ تكُونَ مُنْشَقّاً.
إِنَّ الهِيبّْ-هُوبْ والرَّابّْ طَرِيقُكَ نَحْوَ التَّحرُّر.
جَرِّبْ هَذَا: أَنْ تَكُونَ حَيوَاناً مُغَنِّياً أَصْبَحَ وَسيطاً لمَلِكٍ مُسَالِم.
اقْرأْ مَا بَيْنَ الحَيَواتِ، اكْتُبْ ما بَيْنَ الأَسْطُر.
قَصَائِدُكَ ينبغي أَنْ تكُونَ شَيْئاً أَكْثَرَ منْ مُجرَّدِ إِعلانٍ عن قُلُوبٍ مُنْكَسِرَة.
عَلَى القَصيدَةِ أَنْ تُغَنِّيَ وأَن تَطَّايَرَ مَعَكَ، وإِلاَّ فهي بَطَّةٌ مُنْهَكَةٌ بِرُوحِ النَّثْرِ.
عَلَى القَصيدَةِ الغِنَائيةِ أَنْ تَرْتَفِعَ فَوْقَ الأَصْواتِ المَوْجُودَةِ في حَسَاءٍ مِنَ الحُروف.
دَوِّن كَلِمَاتِ رُوَّادِ الفَضَاءِ الذين رَأَوْا، بِمَعِيَّةِ هنْريش أولبِرْسْ، المَكَانَ الذي كُلُّ شيءٍ فيهِ ضَوْء.
تَذَكَّرْ: "إِنَّ اللَّيْلَ، [وهُوَ] بَعْضُ نُجُومٍ" يمتِلِكُ من قُوَّةِ الشِّعْر أكثر من أَيِّ كاتالوغ [يُعرِّفُ] بالسَّمَاوَات.
عَلَى صُوَرِكَ في القَصيدَةِ أَنْ تَكُونَ مِمَّا لَمْ نَرَهْ أَبداً لا مِمَّا سَبَقَتْ رُؤْيَتُهُ.
الكَلِمَاتُ دائماً، حِينَ تَعْجزُ الأَسْلِحَة.
قَرِّرْ مَا إِذَا كانَتْ قَصيدَتُكَ سُؤَالاً أَو تَصْرِيحاً، تَبَصُّراً أَو صُرَاخاً.
أَعِدِ اخْتِراعَ أميركا والعَالَم.
تَسَلَّقْ تِمثَالَ الحُرِّية.
تَحَدَّ المِيتَافيزيقَا، ولْتَكُنْ لَكَ ثِقَةٌ في الخَيَالِ وخَصِّبْهُ.
بَدَلاً مِن أَنْ تَرْغَبَ في الهُرُوبِ مِنَ الوَاقع، الْقِ بنَفْسِكَ في لَحْمِ العَالَم.
إِنْ كنْتَ تَزْعُمُ بأَنَّكَ شَاعِر، غَنِّ شعْرَكَ بَدَلاً منْ أَنْ تُكَرِّسَهُ.
لاَ تَدَعْ أَحَداً يَقُلْ عَنْكَ إِنَّ خَيَالاً راكداً يُغْرِقُ ذَوَبَانَ جَليدِ قَلْبِكَ.
صَالِحِ الحِكايَةَ مع الصَّوْتِ الحَيِّ.
كُنْ حَكَوَاتياً يحكي الحِكَايَاتِ العَظِيمةَ، بمَا فِيهَا الحِكَايَاتُ الأَكْثَرُ غُمُوضاً.
امْنَحْ صَوْتاً لِلشَّارِعِ الذي بِلاَ لِسَان.
اجْعَلِ الأَسْمَاءَ المُشْتَرَكَةَ أَقَلَّ اشْتِراكاً.
اسْتَثِرْ خُصُومَةَ العُشَّاقِ مَعَ مَصِيرِ البَشَر.
قَبِّلِ المِرْآةَ، وفي أَعْلاَهَا، اكْتُب مَا تَرَاهُ، مَا تَسْمَعُهُ.
أَيُّها الشَّاعِرُ، كُنْ جَاسُوسَ الرَّبِّ إِنْ كانَ الرَّبُّ مَوْجُوداً. أَيُّها الرَّسَّامُ، ارْسُمْ عَيْنَهُ، إنْ كانَتْ لَهُ عَيْن.
كُنْ كَلْباً غَامِضاً يَنْبَحُ أَمَامَ خِيَامِ الوُجُودِ.
انْظُر إِلى الوَرْدَةِ بِنَظَّارَاتٍ بأَلْوَانِ العَالَم.
كُنْ عَيْناً بَيْنَ العُمْيَانِ.
ارْقُصْ مع الذِّئَاب وعُدَّ النُّجُومَ، بما فِيهَا تِلْكَ التي لم يصِلْنَا بعْدُ ضَوْؤُهَا.
كُنْ عَفْوِياً، لاَ صَلِفاً، كَمَا لو أَنَّكَ تَحُطُّ الآنَ عَلَى الأَرْضِ، مُنْدَهِشاً بهَذَا الذي تَسْقُطُ فَوْقَهُ.
اسْتَفْسِرْ بِقَلْبٍ صَافٍ عن مَعْنَى الأَشْيَاءِ الذي لا يُمْكِنُ سَبْرُهُ، وعن مَصِيرِنَا التراجِيدِي ـ الكُومِيدي.
هَلْ لَكَ هِبَةُ الافْتِتَان؟ هل أَنْتَ مُسَلَّحٌ بِالتَّعَجُّب؟ هل لَديْكَ صَوْتُ الجُنُون؟ كُنْ أَبْلَهَ "الزِّنْ".
إِنَّ شَمْسَ الشِّعْر تُلْقي بالظِّلالِ. فَارسُمْهَا أَيْضاً.
لَنْ تَرَى، لَنْ تَسْمَعَ، لَنْ تَشُمَّ أَبَداً أَكْثَر. هَذَا إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تتَحمَّلَ.
اجْهِدْ نَفْسَكَ لِتَسْتَرِدَّ العَيْنَ البَريئَةَ التي كانَتْ لَكَ، حِينَ كُنْتَ طفلاً.
أَلِّفْ في اللِّسَانِ، لا عَلَى الصَّفْحَة.
مِثْلَ بُوذِيٍّ، أَنْصِتْ لِنَفَسِكَ.
اخْفِضْ صَوْتَكَ، واجْعَلِ الرَّنِينَ في صَدْرِكَ لاَ في الأَنْفِ.
عِنْدَمَا تَقْرأ قَصَائِدَكَ، لاَ تَبْحَثْ عَمَّا بِهِ تُفَجِّرُ الوَاجِهَاتِ الزّجَاجية في الدائرة المُجَاورَة...
في هَذَا الفَنّ، لَنْ يكُونَ لَكَ مُعَلِّمٌ لِلْغِنَاءِ، لاَ شَيْءَ سِوَى أُذُنِكَ البَاطِنيَّة.
لَنْ تُسَاوِيَ إِلاَّ مَا تُسَاوِيهِ أُذُنُكَ.
أَسَفاً عَلَيْكَ إِنْ كانَتْ نَشَازاً.
كَالبَشَرِ، لِلْقَصَائِدِ عُيُوبٌ قَاتِلَة.
غَنِّ تَهْليلَةَ التحِيَّةِ!
اكْتُبِ القَصيدَةَ دُونَ نِهَايَةِ حَيَاتِكَ عَلَى الأَرْضِ أو عَلَى غَيْرِهَا، شِعْراً أَكْبَرَ من الطبيعةِ.
عَلَى القَصيدَةِ العَظيمَةِ أَنْ تُولَدَ مِنْ حَصِيلَةِ جَمِيعِ قَصَائِدِكَ، وأَنْ تَرْويَ أَكْثَر مِمَّا يَرْويهِ الوَاقِعُ المُسَطَّحُ، أكثر مما "يَحْدُثُ أَمَامَ النَّافِذَة".
اعْثُرْ عَلَى وَاِقعِ الآخِرَةِ إِنْ كَانَ مَوْجُوداً.
عَلَى لُغَتِكَ أَنْ تُغَنِّيَ، بقَافِيَةٍ أَوْ بِدُون، لكي تُبَرِّرَ شَكْلَ طِبَاعَتِهِا الشِّعْرِي.
أَكْثَرُ مِنَ الشِّعْرِ "الَّذِي يَتَكَلَّم"، اكْتُبْ شِعْراً يُغَنِّي.
لِكي تَدْعَمَ صَوْتَكَ، [ثَمَّةَ] آلَةٌ لِلْمُوسِيقَى أو أَصْوَاتٌ أُخْرَى، وَلْتُزْهِرْ قَصَائِدُكَ في أُغْنِيَةٍ.
كِيفْ** المُغَنِّينَ الشَّعْبيِّينَ، الشُّعَراء الحَقِيقيِّينَ الذين غَنَّوْا بالأَمْسِ ويُغَنُّونَ اليَوْمَ.
اقْرأْ ما بَيْنَ أَسْطُرِ الخِطَابِ الإِنْسَانِي.
عَلِّمْ رُوحَكَ كَيْفَ تَشُقُّ سَبيلاً نَحْوَ القَلْبِ.
حَيَاتُكَ، هِيَ شِعْرُكَ. إِنْ لَمْ يكُنْ لَكَ قَلْبٌ، سَتَكْتُبُ شِعْراً بِلاَ قَلْب.
تَجَنَّبِ المَحَلِّي. وَامْضِ نَحْوَ الكَوْني.
لاَ تُقَطِّعِ الأَحْجَارَ. الْقِ بِنَفْسِكَ في البَحْرِ حَيْثُ كُلُّ قَصِيدَةٍ سَمَكَةٌ حَيَّة.
قُلْ مَا لاَ يُقالُ، واجْعَلِ اللاَّمَرْئيَ مَرْئيّاً.
فَكِّرْ ذَاتياً، واكْتُبْ ذَاتياً.
كُنْ حَرْفِيَّ الخَيَال. المَلْمُوسُ هو حَيْثُ الأَكْثَرُ شِعْريةً.
فَكِّرْ أَفْكَاراً طَويلَةً في جَمُلٍ قَصيرَةٍ.
إِنْ أَردْتَ أَنْ تَجْعَلَ من نَفْسِكَ شَاعِراً، لا تَحْمِلْ أَفْكَارَكَ الخَرْقَاءَ صَوْبَ الشِّعْر.
ثَلاثَةُ أَسْطُرٍ لاَ تَصْنَعُ قَصيدَةَ هَايْكُو. لا بُدَّ مِنْ كَشْفٍ لكي تَنْبَجِسَ.
بَعْدَ قِرَاءَةٍ شِعْريةٍ، لاَ تَسْتَسْلِم أَبداً لِجَلْسَةٍ من الأَسْئِلَةِ والأَجْوِبَة. الشِّعْرُ يَسْمُو بالمُسْتَمِع. الأَسْئِلةُ والأَجوبةُ تُسْقِطُهُ ثانيةً في النَّثْر. هل يُطْلَبُ من المُغَنِّين تَفْسِيرَ أَغَانِيهِم؟
مِثْلَ حَقْلِ عَبَّادِ الشَّمْسِ، ليْسَ لِلْقَصيدَةِ ما تُفَسِّرُهُ.
إِذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُفَسَّرَ قَصِيدَةٌ، مَعْنَاهُ أَنَّ الاتِّصَالَ انْقَطَع.
ليْسَ لِلشَّاعِرِ ما ينَاقِشُهُ حوْلَ فَنِّهِ الشِّعْري أو حَوْلَ سَيْرورَتِهِ الإِبْداعية. إِنَّهُ أكثَرُ من مُجرَّدِ سِرٍّ مِهَني، بل هو سِحْرٌ عَجيبٌ في حد ذاتِهِ لاَ يُمْكِنُ سَبْرُهُ.
كُلُّ مَا يُمْكِنُ لِشَاعِرٍ أَنْ يَقُولَهُ حول عَمَلِهِ هو اعْتِذَارٌ لا ينْبَغي أَنْ يُقَدِّمَهُ.
أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ كَاتِباً كبيراً أَمْ أَكَادِيمياً عظيماً، شاعراً بورجوازياً أَمْ رَادِيكَالياً مُشْتَعِلاً ؟
هَلْ يُمكِنُكَ أَنْ تَتَخَيَّلَ [الشاعر] شِيلّي في مُحْتَرَفٍ شِعْرِيٍّ ؟
ومَعَ ذلك، فَإِنَّ بِإِمْكَانِ مُحْتَرَفِاتِ الشِّعْرِ أَنْ تَخْلقَ جمَاعَاتٍ من العَائِلاتِ الشِّعْرِية، في قَلْبِ أَميركا حيْثُ يَتَسكَّعُ كثيرٌ من العُزَّلِ بَحْثاً عن أَرْوَاحٍ شَقِيقَاتٍ.
إِذَا كَانَ عَلَيْكَ أَنْ تُعَلِّمَ الشِّعْرَ، حُكَّ سَبُّورَتَكَ السَّوْدَاء بِطَبَاشيرَ من ضوْءٍ.
لاَ فِكْرَةَ تَأْتي مِنَ الحَوَاسِّ
إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُصْبحَ شاعراً كبيراً، ارْتَبِطْ بِشُعَراءَ عَاقِلِينَ. إِنَّهُم نَادِرُونَ.
الشِّعْرُ الذي يُفَكِّرُ لَيْسَ في حَاجَةٍ إِلى إِقْصَاءِ الوَجْد.
اقْرَأْ الرِّوَائيينَ المَلْحَميِّينَ، الشُّعَراءَ الرُّؤْيَويِّينَ، الحَكَواتِيِّينَ الكِبَار، أُولي النُّفُوسِ الكُبْرى.
تَرَدَّدْ عَلَى المَكْتَبَاتِ.
فِيمَ تُفَكِّرُ؟ مَا الَّذِي في رَأْسِكَ؟ افْتَحْ فَمَكَ وتَوَقَّفْ عِنِ الهَمْهَمَة.
لِتَكُنْ لَكَ رُوحٌ مُنْفَتِحَةٌ، ولَكِنْ لَيْسَ إِلَى الحَدِّ الذِي يسْقُطُ فِيهِ دِمَاغُكَ.
لِتَكُنْ رُوحاً جَديدَةً، وَلْتَتَجَدَّدْ.
اكْنِسْ أَنْسِجَةَ العَنْكَبُوت.
ازْرَعِ الاِنْشِقَاقَ والفِكْرَ النَّقْدِيَّ. الفكْرَةُ الأُولَى تَكونُ دَائماً الأَسْوأَ.
لاَحِقِ الحُوتَ الأَبْيَضَ، ولكِنْ بدُونِ أَنْ تَصْطَادَهُ. الْتَقِطْ بالأَحْرَى غِنَاءَهُ.
أَتِحْ لِنَفْسِكَ لَحظَاتِ طَيَرَانٍ بَاهِرَةً –
لَحَظَات طَيَرَانٍ مِنْ خَيَالٍ جَامِحٍ.
تَجَاوَز الانْتِظَارَاتِ العَالِيَةَ جِدّاً، النُّبُوءَاتِ الأَكثَرَ إِنْذَاراً بالخَطَر.
إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَصيرَ شَاعِراً كبيراً، كُنْ ضَمِيرَ السُّلاَلَةِ.
قَاوِمْ كثيراً، واخْضَعْ أَقَلّ.
تَحَدَّ الرَّأْسمَالِيةَ المُنْدَسَّةَ تَحْتَ قِنَاعِهَا الدِّيمُوقْرَاطي.
تَحَدَّ الدُّوغْمائيَّاتِ السيَّاسيةَ كُلَّهَا، وحَتَّى الشَّعْبَويةَ الرَّاديكَاليَّةَ والهُوليغَانيزْمْ الاِشْتِراكي.
تَأَمَّلِ الصُّوفيةَ، خُصُوصاً انْتِشَاءَهَا التَّانْتَرا حيثُ الشِّعْرُ يُهْدِي مِنَ اللِّسَانِ إِلى القَلْب وُصُولاً إِلى الرُّوح.
تَلَذَّذ بتَشَاؤُمِ الفِكْرِ وتَفَاؤُلِ الإِرَادَة.
لاَ تَنْفُث فُقَاعَاتِ اليأْس.
إِنَّ الشِّعْرَ نَبَاتٌ مُنْجِمٌ وحَبَّاتُ زَرْعٍ، ولَيْسَ سَاقَ نَبْتَةٍ. فَدَخِّنْهُ وحَلِّق عَالِياً.
اسْهِمْ في الفَرَحِ الجمَاعِي في مُوَاجَهَةِ الضَّجَرِ المُحِيطِ.
حَرِّرْ سِرِّاً كُلَّ كائِنٍ تَرَاهُ في قَفَص.
اعْتَقِ المَحْرُومينَ واجْعَلِ الطُّغَاةَ يُصَابُونَ بالسُّعَار.
ارفَعْ صَوْتَكَ (بالعَوَاءِ) مثل مُتَوَحِّشٍ فَوْقَ سُقُوفِ العَالَم.
زَقْزِقْ الزَّقْزَقَة الكُبْرى.
رُشَّ قَصَائِدَكَ بِمِلْحِ الأَرْض.
تَكَلَّمْ بِاسْمِ الحَمْقَى والمَجَانين.
انْظُرْ إِلى الأَبَدِيَّةِ في أَعْيُن الحَيَواناتِ.
انْظُر إِلى الأَبَدِيَّةِ، لاَ أَبَديَّة المَسَاءِ الآخَر بل أَبَديَّة المَسَاءِ الذي سَيَأْتي.
فَسِّرْ مَا لاَ يُفَسَّر.
لاَ تَحْتَجِبْ عَنْ رَجُلِ الشَّارِع.
كُنْ طَائِراً يُغَنِّي لا بَبَّغَاء.
كُنِ الكَنَارِي في مَنْجَمِ الفَحْم. (إِنَّ كَنَارياً مَيِّتاً مُشْكِلَة، وليس فحسب بالنسبة لعُلَمَاءِ الطيور).
كُنْ أَيضاً دِيكاً وأَيْقِظِ العَالَم.
أُكْتُبْ قَصَائِدَ مُقْتَضَبَةً بأَصْواتِ الطَّيْر.
لَيْسَتْ أَصْواتُ الطَّيْرِ نتاج آلاتٍ. إِمْنَحْ أَجْنِحَةً لِقَصَائِدِكَ، وَلْتَطِرْ حَتَّى شِعَافِ الأَشْجَار.
لاَ تَتَنَازَلْ، خُصُوصاً لِلجَمْهور، ولاَ لِلقُرَّاءِ أو النَّاشِرِينَ.
لا تُقَدِّم الحَسَاءَ إِلى الذّهْنِيةِ المتَوسِّطَةِ لأميركا ولا إِلى مُجْتَمَعِ الاِسْتِهْلاكِ. كُنْ شَاعِراً، لاَ مندوباً تجارياً.
لا تَنْتَقِدْ بِسُوءِ نيَّةٍ المُتَعَلْمِنينَ الذِين يَعْتَقدونَ أَنَّ عَلَى القَصيدَةَ أَنْ تَكُونَ مُمْتَلِئَةً، مُتَنَاغِمَةً، مُبْتَهِجَةً، حَقيقيَّةً، جَميلَةً وطَيِّبَة.
سِرْ فَوْقَ البَحْرِ عَلَى مَتْنِ سَفينَةٍ، أَو اشْتَغِلْ قُرْبَ الماء، وامْتَحِنْ نَفْسَكَ من أَجْلِ فُلْكِكَ.
لماذا ستُنْصِتُ للنُّقَّادِ الَّذِينَ لم يَكْتُبوا أَبَداً آثاراً أَدَبيةً كُبْرى؟
لاَ تُنْتِجْ شِعْرَ مُعَلِّمٍ (حَتَّى ولو بطَريقَةِ عزْرَا باوْند).
لاَ تَكْتُبْ إِعَادَاتِ نَشْرٍ للوَقَائِع الافْتِراضية.
كُنْ ذِئْباً في مَرْعَى الصَّمْتِ.
لاَ تَنْزَلِقْ فَوْقَ قِشْرَةِ مَوْزِ العَدَمِيَّةِ، حتى حِينَ تُنْصِتُ لِزَئيرِ العَدَم.
امْلأ الهَاوِيَةَ المُعْتِمَةَ التي تتَثَاءَبُ خَلْفَ كُلِّ وَجْهٍ، كُلِّ حَياةٍ وكُلِّ أُمَّة.
اخْلقْ مِنْ كُلِّ تَجْرِبةٍ قَصيدَةً جَديدَةً وتَجَاوَز غَشَاوَةَ اللَّحْظَةِ الرَّاهِنَة.
الْتَقِطِ اللَّحْظَةَ، كُلُّ ثَانيةٍ هِيَ دَقَّةُ قَلْبٍ.
ابْعِدْ هَاتِفَكَ المَحْمُولَ وكُنْ هُنَا الآنَ.
ابْحَثْ عَنِ المُدَاوَمَةِ في المَحْوِ والاِنْفِلاَتِ.
حَرِّكْ أَموَاجاً دَائِمةً وليْسَ فقط فوق رَأْسِ المُتَأَنِّقَات.
لاَ تَمْكُثْ في الكُهُوفِ بِلاَ أَمَلٍ، وتَلُفّ شَارِبَيْكَ فيمَا أَنْتَ تكْتُبُ كِتَابةً غَامِضَةً لاَ تُفْهَم.
لِماذَا تَعِيشُ في الظِّلِّ؟ خُذْ مَكَانَكَ عَلَى مَرْكَبَةِ الشَّمْسِ.
لاَ تَدَعْ أَحَداً يَقُلْ لَكَ إِنَّ الشَّعْرَ لا قيمة له.
لاَ تَدَعْ أَحَداً يَقُلْ لَكَ إِنَّ الشِّعْرَ للطَّيْر.
اضحَكْ باستِخْفَاف عِنْدَمَا تَسْمَعُ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الشُّعَراءَ هَامِشيُّون، إِرْهَابِيُّون مُفْتَرَضَونَ يُشَكِّلُونَ خَطَراً عَلَى بِلادِهِم.
لاَ تَدَعْ أَحَداً يَقُلْ لَكَ إِنَّ الشِّعْرَ فُصَامٌ لاَ يُشْفَى مِنْهُ البَعْضُ أَبَداً.
اضْحَك بِقُوَّة مِنْ أُولئكَ الَّذِينَ يَحْسِبُونَ أَنَّ الشِّعْرَ هو الأَثَر الأَدبي لِلرُّوحِ القُدُسِ، وأَنَّكَ لَسْتَ سِوَى نَاسِخٍ لَهُ.
لاَ تُصَدِّقْ بِالأَخَصّ أَنَّ الشِّعْرَ لاَ يَصْلُحُ لأَيِّ شيءٍ في العُصُور المُظْلِمَة.
لاَ تَدَعْ أَحَداً يَقُلْ لَكَ إِنَّ الشُّعَراءَ عَنَاصِرُ تَشْويش.
اضْحَكْ حَدَّ الاستهزاء مِنْ أُولَئِكَ الذين يَقُولُونَ لَكَ إِنَّ الضَّمَانَ الاجْتِمَاعِي يُموِّلُ الشِّعْر.
لاَ تُصَدِّقْهُم عندما يَقُولونَ لَكَ إِنَّ الحركَةَ الشِّعْرِيةَ لاَ تُسَاوي شيئاً في سُوقِ بُورْصَةِ ثَقَافَتِنَا، ثَقَافَةِ الكَازينُو.
لاَ تَفْتَحِ الفَمَ إِلاَّ إِنْ كُنْتَ فِعْلاً في حَاجَةٍ إِلى الغِنَاء.
إِذَا لم يَكُنْ لَدَيْكَ شَيءٌ تَقُولُهُ، فَلا تَقُلْ شَيْئاً.
تَوَقَّفْ عِنِ التَّكَلُّمِ بِاغْترَارٍ هَكَذَا. إِنَّ المَنْعَ مَمْنُوعٌ.
اهْزَأْ بأُولئِكَ الذين يَقُولونَ لَكَ إِنَّكَ تَعِيشُ في أَحْلاَمِكَ. احْلمْ بِوَاقِعِكَ. امْضِ وعَسْكِرْ عَلَى حَافَاتِ الوَاقِع.
اضْحَك مُسْتَخِفّاً مِنْ أُولئِكَ الذِينَ يَقُولُونَ لَكَ: "اكْتُب نَثْراً، أَيُّها الشَّابّ، اكْتُبِ النَّثْر".
اخْرُجْ مِنْ خِزَانَتِكَ. إِنَّ الجَوَّ مُعْتِمٌ في دَاخِلِهَا.
تَجَرَّأْ وكُنْ مُحَارِباً شِعْريّاً غَيْرَ عَنِيفٍ، بَطَلاً مُضَادّاً.
لَطِّفْ صَوْتَكَ اللِّطِيفَ جِدّاً بإِشْفَاقٍ.
اسْتَخْلِصِ النَّبيذَ الجَديدَ مِنْ أَعْنَابِ الغَضَب.
تَذَكَّرْ أَنَّ الرِّجَالَ والنِّسَاءَ كَائِنَاتٌ انْتِشَائِيةٌ بِشَكْلٍ لاَنِهَائيٍّ، مُتَوجِّعَةٌ بشَكْلٍ لاَنهَائي.
ارْفَعِ السَّتَائِرَ، إِفْتَحِ المَصَارِيعَ والنَّوافِذَ، ارْفَع السَّقْفَ، فُكَّ ثُقُوبَ الأَبْوَاب، ولَكِنْ لاَ تَرْمِ اللَّوَالِبَ.
لاَ تُدَمِّرِ العَالَمَ إِذَا لَمْ يَكُن لَدَيْكَ شَيْءٌ أَفْضَلُ تُبَادِلُهُ.
تَحَدَّ نيميسِيسْ، المُنْتَقِمَة، الحَسُودَ.
انْخَرِطْ فِي أَمْرٍ مَّا يتَجَاوَزُكَ.
انْجِزْهُ بِشَغَفٍ.
إِذَا كَان عَلَيْكَ أَنْ تَنْتَزِعَ الانْتِصَارَ مِنْ بَيْنِ اللُّهُب، فأَيْنَ قَوْسُكَ المُشْتَعِلَة، أَيْنَ نِبَالُ الرَّغْبَةِ التي تَخُصُّكَ، ورُوحُكَ المُتَأَجِّجَة؟
حِينَ يُنْزِلُ الشَّاعِرُ سِرْوَالَهُ، عَلَى "شَيْئِهِ" الشِّعْري أَنْ يكُونَ بَديهِيّاً وأَنْ يُظْهِرَ حَالاَتِ انْتِصَابٍ غِنَائيَّةً.
الطَّبَقَةُ الحَاكِمَة تُعْلِنُ عَنِ الحَرْب، والطَّبَقَةُ الشَّعْبِيَّةُ تَذْهَب لِتُحَاربَ. إِنَّ الحُكُومَاتِ تكْذِبُ. صَوْتُ الحُكُومَاتِ لَيْسَ هُوَ صَوْتُ الشَّعْب.
خُذِ الكَلِمَةَ. تَحَرَّكْ. إِنَّ الصَّمْتَ مُتَوَاطِئٌ.
كُنِ الذُّبَابَةَ العَالِقَةَ في الدَّوْلَةِ الخِنْزِيرَةِ، ولكِنْ أَيضاً كُنْ قُطْرُبَهَا.
وإِذَا كَان لَدَيْكَ قُرْصَان مِنَ الخُبْزِ، افْعَلْ كما فَعَلَ الإِغْريقُ: بِعْ وَاحِداً، وبدِرْهَمِ المَمْلَكَةِ اشْتَرِ عَبَّادَ شَمْسٍ.
اسْتَيْقِظْ، إِنَّ العَالَمَ يَحْتَرِقُ!
اقْضِ نَهَاراً طيِّباً.
* * *
يَا أَنْتُمْ، أَيُّها الَّذِينَ تَجْنُونَ
رَمَادَاتِ الشِّعْرَ الرّقيقَةَ
رَمَادَاتِ اللَّهَبِ الأكْثَرَ بَيَاضاً
لِلشِّعْرِ
فَكِّرُوا فِي أُولئِكَ الَّذينَ احْتَرَقُوا
مِنْ قَبْلِكُمْ
فِي النَّارِ الأَكْثَرَ بَيَاضاً
بَوْتَقَة كِيتَسْ وكَامْبَّانَا
بْرُونُو وسَافُو
رَامْبُو وبو وكُورْصُو
وشِيلّي مُحْتَرِقاً عَلَى شَاطِئِ فيَارِيدْجُو
والآنَ في اللَّيْلِ
فِي الاِحْتِرَاقِ العَام
هُوَ ذَا الضَّوْءُ الأَبْيَضُ
لاَ يَزَالُ يُحْرِقُنَا
أَيُّهَا المُهَرِّجُونَ الصِّغَار
مَعَ مَا تَبقَّى مِنْ شَمْعِنَا
المُتَمَدِّدِ صَوْبَ اللَّهَب !
* الفصل الأول من كتاب لورنس فيرلينغيتي: الشعر، فن الفتنة
** كِيفْ كِيفْ (مِثْلَ)، كلمة مغربية تناقَلَها الشباب الأميركي أثناء سنوات الهِيبِّية، خصوصاً أولئك الذين كان يترددون على المغرب خلال ستينيات وسبعينيات القرن 20.
(ترجمة عن الفرنسية: حسن نجمي)