دَوّامةُ النزوح العراقي وعنفُ الجغرافيّا النقِيَّة

22 يناير 2016

طفلان مهجّران في مخيم قرب أربيل (4 يناير/2015/الأناضول)

+ الخط -
تحريرٌ مدمِّرٌ شهِدَته مدينةُ الرمادي في نهايةِ شهرِ ديسمبر/كانون الأول 2015، بعدَ أنْ كانَت "داعش" قد احتلَّتها في مايو/أيار 2015. أدّى القصفُ التحريري، ومن قبلِهِ، احتِلالُ داعش إلى دمارِ 80 % منْ بُنيَةِ المدينة، وتَهجيرِ كل سكّانِها. وما إن تمَّ تحريرُ الرمادي، حتّى فرَّ مَن كانَ قد بَقِيَ من أهاليها عندَ دخولِ داعش، فاكتَمَل نزوحُ كلِّ المُجتمَع عن مدينتِه. وتظهر حركاتُ النزوحٍ هذه للعَيانَ ما هوَ مُقوَّضٌ في بُنيَةِ المُجتمَع العِراقي، تَحملُ معها جغرافيا عراقيَّةً غيرَ مُتجانِسة، وتاريخاً من العُنفِ المذهَبِيِّ والإثنِيِّ المُتبادَل.
ثمَّةَ إحصاءٌ جيِّدٌ لهيكلِيَّةِ المَعضِلاتِ التي يُنتِجُها النزوحُ العراقيُّ وينفردُ بها. ثمَّة استِشرافٌ لزيادةِ عددِ النازحين المُتناسِبِ طَرداً مع زيادةِ العنفِ في العراق، كأنَّها عجلةُ القدرِ تعيدُ إنتاجَ المشهدِ العراقيِّ الذي يُدمِّرُ نفسَهُ ذاتِيَّا. حلقةٌ من العنفِ اللامُجدي تؤسِّسُ سؤالَ الوطنِ العراقِي. هَلْ تُشكِّلُ الجُغرافيةُ العِراقيَّةُ وطناً، أم أنَّ العراقَ بات، بتعبيرِ ميشيل فوكو، فضاءً غير مُتجانِس؟ ضمنَ المُعطَياتِ التاريخِيَّةِ والحالِيَّة، يَبقى السؤالُ مشرَّعاً على الفَوضى ليسَ إلّا. فَوضى يَتجلّى النزوحُ ترجَمةً لها في الاجتِماعِ والمَكان.
ولم يُنتِجْ تحريرُ العراقِ من حُكمِ صدّام حسين قَطيعتَه السياسيَّة مع النِظامِ البائد، بلْ أعادَ إنتاجَه بشكلٍ مُختلِف، إذ لم تتَحلَّلْ فكرةُ الزعامةِ في العراق على حسابِ المؤسَّسة، بَل تمَّ تَطعيمُها بالفسادِ المالِيِّ والإسناد الطائفي. وهكذا، استمَرَّ الصراعُ داخلَ المجتَمعِ العراقي الذي أنهكَتْهُ عقودٌ طويلةٌ من الحربِ والاحتِراب. ورسَّخَت فيهِ انفِصالات جذريّة على مُستوى الهوِيّة، يُستَعصي حلُّها على المدى المنظور. في هذا الإطارِ من تَحلُّلِ المجتمَع العراقي إلى تجمُّعاتٍ مُغلَقةِ ومُتنابذةِ، تأتي حركاتُ النزوحِ القسرِيَّة للمَجموعات المَدنِيَّة، لتُمشهِدَ الفَوضى والتجزُّؤ المُواكبَ لتلكَ المجموعاتِ في مَنفاها، ما يدفعُها إلى أن تُعيدَ هَيكلةَ نفسِها تِبعاً للاستِقطاب المذهبِيِّ والإثنِيِّ الذي تسبَّبَ في نزوحِها. سيرورةٌ ترجمَتها خارطةُ النزوحِ السُّنِّيِّ من الأنبارِ بداية 2014، بغموضِ وُجْهاتِ النزوح.
أنتَجَ العنفُ في العراقِ جغرافيَّاتٍ نقيَّةً إثنِيَّا ومذهَبِيّاً. ما أدّى إلى بُروزٍ صريحٍ لثلاثِ دوائرَ جِهَوِيَّةٍ أساسِيَّةٍ في العراق: كُردِيَّةٍ إثنيَّةٍ في إقليمِ كردستان، وإثنية مذهَبِيَّةٍ سُنِّيَّةٍ في الوسَط، وإثنية مَذهَبِيَّةٍ شيعيَّةٍ في الجَنوب. لكلِّ جِهَوِيَّة من هذهِ الدوائر الثلاث نظامٌ إداريٌّ واجتِماعِيٌّ وقِيَمِيٌّ مُختَلِفٌ عن الآخَر. ولكلٍّ مِنها تاريخٌ مُختلِف، ونظرةٌ مُختلِفةٌ للتاريخ، فالجنوبُ الشيعي يعتقِد بفكرةِ العوْدةِ المنتظَرةِ للمهدي. والوسطُ السنِّيُّ مَأخوذٌ بِفكرةٍ العودةِ للسلَفِ الصالح. وكُردِستان تَدفعُ بنفسِها نحوَ المُستقبل على أسُسِ المُجتَمَع الاستِهلاكي، ولذلك لا تشترِكُ في ذاكرةٍ مشتركةٍ، يمكنُها أن تخفِّفَ من حدَّةِ تناقُضاتِ اجتماعِيَّة، يتمُّ استثمارُها سِياسِيَّا عبرَ تصفِياتٍ هوياتِيَّةٍ متبادَلَة، في حين أنَّ الذهنيَّةَ الثأرِيَّةَ تُبطِّنُ مُعظمَ الخطاباتِ السياسِيَّة.

مسبِّباتُ النزوحِ وحيرةُ الوُجْهات
بَدأت مَوْجاتُ النزوحِ العراقي تتسارعُ وتتكاثفُ في نهاية 2013. فقدْ نزَحَ، وِفْقاً لتَقديراتِ
منظمة الهجرة العالمية (IOM) ما يزيدُ عن ثلاثةِ ملايينَ شخصٍ مِنَ المُحافَظاتِ السُّنِّيَّة، وِفقاً للترتيبِ الآتي: الأنبار 32%، نينوى 29% وصلاح الدين 21%. وقد حدثَ ذلكَ، بعدَ أنْ سيطرَت داعش على الموصل، وبدأت في التوَغُّلِ سريعاً داخلَ المُحافظاتِ السُّنِّيَّة، حيثُ اضطُرَّ الناس في تلكَ المُحافظاتِ إلى الهربِ بعَوائلِهم إلى المَناطقِ الآمِنةِ، نحوَ أطرافِ بغداد وأربيل في إقليمِ كُردِستان.
وكان الخوفُ من مُحاسبةِ داعش كلِّ العامِلين في السلكِ العَسكَريِّ الحُكوميِّ، وارتِكابِ مَجازِرَ جَماعِيَّةٍ بحقِّهم، السبّبَ الفَوْرِيِّ للنزوح، مثل مَجزَرَةِ مُعَسكَر سبايكر في مَدينةِ تكريت (12/ 6/ 2014) التي راحَ ضحيَّتَها أكثرُ من ألفي طالب من أكاديمية القوة الجوية. هذا إضافةً إلى خِبرةِ الناسِ في تلكَ المناطِق بأنَّها ستتعرَّضُ للقصفِ الجوِّيِّ والمدفَعيِّ من القوّاتِ العراقِيَّةِ التي ستُحاولُ استِعادتَها، مثلَما حدثَ في مدينةِ الفلَّوجة.
إلّا أنَّ ثمَّةَ عاملاً ثالثاً يساعدُ في قراءةِ حجمِ النزوحِ واتِّساعِ رُقعتِه، وهو "مَذْهَبة" الحربِ ضدَّ داعش ونتائجِها. فبعدَ سقوطِ الموصلِ بيدِ داعش التي استحوَذَت على كمٍّ هائلٍ من الذخيرةِ، وسقوطِ محافَظةِ صلاح الدين بعدَ 72 ساعَة، وبعد فشلِ رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، في إيقافِ مشهدِ سقوطِ المدنِ السُّنِّيَّةِ كحجارةِ الدومينو، وإصدارِ منظَّمَةِ العفوِ الدولِيَّةِ تقريراً حولَ عَملِيَّاتِ الفسادِ في الجيشِ العراقي، وتَصريحاتٍ أميركيَّةٍ، على لسانِ قادتِها العسكريّين، أنَّ الجيشَ العراقيَّ غيرُ قادرٍ على هزيمةِ داعش، كلُّها عواملُ دفعَت رئيس الوزراءِ العراقيِّ، حيدر العبادي، إلى استِحداثِ جيشٍ طائفيٍّ رديفٍّ للجيشِ العراقي.
وقد تأسَّسَ ذلكَ الجيشُ الرديفُ بعدَ دعوةِ المرجِعِيَّة الشيعيَّة (علي السيستاني) إلى الجِهادِ الكفائي، (مَفهومٌ إسلاميٌّ للدِّفاعِ عن الذات. يعلِنُه المشرِّعُ على الأُمَّةِ الإسلاميَّة إن قامَت به مجموعةٌ ما تمثِّل الجميع، سقطَ لكفايتِه عن بَقِيَّةِ المسلِمين) لحمايَةِ المُقدَّساتِ الشيعيَّةٍ من خَطرِ داعش. وبالتنسيقِ مع وزارةِ الدفاعِ العراقية، تمَّ تأسيسُ حشدٍ شعبي مؤلَّفٍ من مليشيات شيعيَّةٍ مُتمرِّسَةٍ يقاربُ عددُها 32. وعلى الرغمِ من إصدارِ السيستاني بياناً ضابِطاً لردعِ العملِيَّاتِ الإجرامِيَّة التي نُسبَت إلى الحشدِ الشعبي، ومن تصريحِ السيِّدِ مُقتَدى الصدر بوجودِ مَجموعات "وقحة" بينَ الحشد، إلّا أنّ مُنظَّمة هيومن رايتس ووتش نشرَت بياناً تنسِبُ فيه إلى الحشدِ جرائمَ حربٍ ضدَّ المدنِيّين في المَناطِق السنِّيَّة. وتتمثَّلُ تلكَ الجرائمُ في الحرقِ الجماعيِّ للبيوتِ وتصفِياتٍ جَماعِيَّةٍ لمَجموعاتٍ سنِّيَّة في مدينةِ تكريت، بعدَ تحريرِها من داعش، ومصادرةِ أمْوالٍ وتصفِياتٍ فردِيَّة.
وقد أعطى إنشاءُ الحشدِ الشعبِيِّ، ومُمارساته أيضاً، ذريعةً لفئاتٍ كبيرةٍ من سُنَّةِ العراق لمنحِ شرعِيَّةٍ مَذهبِيَّةٍ لتنظيمِ داعش، واعتبارِ التنظيمَيْن مرآةً واحدُهما للآخر، الأمر الذي دفعَ النازحينَ السنَّةَ والمسيحيِّين إلى تحميلِ الحشدِ الشعبيِّ وداعش، على السواءِ، مسؤوليَّةَ النزوحِ من محافظاتِ الوسطِ وبغداد. من هنا، فإنَّ استعادةَ الجيشِ العراقيِّ لمناطقَ كانَت تحتَ سيطرةِ داعش كثَّفَت من النزوحِ، بَدلاً من أَن تعالِجَه، وزادَت في تَعقيدِ مسبِّباتِه.

كردستان، وُجهةٌ تفرِضُ نفسَها
يقابَلُ كلُّ خروجٍ لنازحٍ من وسطِ العراق بتُهمةِ عَمالَةٍ مُزدوِجة، فخروجُه بالنسبةِ لداعش خيانةٌ وولاءٌ للطرفِ النقيض. وخروجُه بالنسبةِ للجهةِ التي ينزَحُ إليها (إن كانَ النزوحُ متأخِّراً قليلاً) هو شبهة في أنه كان موالياً لداعش. بينَما يُشكِّلُ ولاءُ وسطِ العراق السنِّيِّ لصدّام حسين مَدخلاً لكراهيَّةٍ تاريخِيَّة، تصطدِمُ بإبادةِ صدَّام الكردِ في كردِستان العراقِ، والشيعة في جِنوبِه. يتناقَضُ وسطُ العراق مَذهَبِيّاً مع جنوبِ العراقِ، وإثنيّاً مع إقليمِه الكُردِي. لذلك، يشكِّلُ نزوح أهلِه مَعضِلَةً اجتماعِيَّةً حقيقيَّة.
وعلى إثرِ التنقِيَةٍ الجغرافِيَّة التي أفرَزَتها الحربُ الطائفِيَّةُ من 2006 وحتى نهايةِ 2008 في
مختلفِ مناطقِ العراق، باستثناء إقليمِ كردستان، اضطُرَّت الغالبِيَّةُ العُظمى من النازِحين من مُحافَظات الأنبار وديالى وصلاحِ الدين أن تتوجَّهَ إلى المدنِ الكردِيَّةِ الآمِنة. وهكذا، توزع منذ بدايةِ 2014 أكثرُ من 1.8 مليون نازحٍ على المدنِ الكردِيَّةِ الرئيسيَّة: دهوك، أربيل، السلَيْمانِيَّة. ووِفقاً لإحصائيّاتِ وزارةِ الهجرةِ والمُهجَّرين العِراقِيَّة، فإنَّ 61% من النازِحين لجأوا إلى مدينةِ دهوك، لقربِها من سِنجارِ والموصل، ولوجودٍ جيِّدٍ نسبِيّاً للمسيحيّين في هذه المَدينة، بينما كانت حِصَّةُ أربيل 24%، وحِصَّةُ السلَيمانِيّة 15%، حيثُ يوجد أكثرُ من 16000 نازحٍ، يَقطنُ 8.5% منهم فقط في المُخيَّماتِ الموجودةِ خارجَ المدينة، ويتوزَّعُ الباقون على المجمَّعاتِ السكنِيَّةِ داخلَ المدينة.
وقد تمَّ استِقبالُ الأيزيديين النازِحين من سِنجار، والمسيحيين النازِحين منَ الموصل، في مُخيَّماتٍ مُتجاوِرةٍ ومُتقارِبةٍ مع مُخيَّماتِ النازِحين العربِ السنَّة، فظهرَت احتِكاكاتٌ مَذهَبِيّةٌ حادَّةٌ جدّاً بينَ النازِحين أنفسِهم. ولَئن كانَت حكومةُ إقليم كردستان قد وفَّرَت بعضَ القوى الأمنِيَّة للمُخيَّمات، إلّا أنَّ المُنظمات العامِلة فيها تَشكو دائما من لامبالاةِ الحكومةِ الكرديَّةِ في توفيرِ الأمنِ اللازِم.
فُسَيْفساءُ جديدةٌ تتكوَّن، في حينِ أنَّه ليسَ للجيلِ الكرديَّ الذي وُلِدَ بعد انتِفاضَةِ 1991، أيَّةُ قواسمَ مُشترَكةٍ مع جيلِ الشبابِ العراقي في بَقِيَّةِ أجزاءِ العراق. وهو جيلٌ يجهَلُ العربية كُلِّيّا، ويجدُ في العربِ امتداداً لنظامِ حزب البعثِ الذي قَتَل الكرد. لذلك، لا يُمكنُه أن يَستوعِب هذا الهجوم المُفاجئ للنزوح العربي إلى مَدينتِه.
ونظراً لعدمِ وجودِ بَرنامجٍ حكومِيٍّ في الإقليمِ، ولهشاشَةِ الإدارةِ في الحكومةِ المركزِيَّة في بغداد، وربَّما لعدمِ الاكتِراث بهذه الفئةِ من العراقيّين، تضافُ المشكلات الاجتماعِيَّةُ إلى التوتُّراتِ الإثنيَّةِ والمذهَبِيَّة، فنسبةُ الأطفالِ المتوقِّفينَ عن الدراسةِ الابتدائيَّة تتجاوزُ الـ 80%. وِفقاً لتقاريرِ "منظومة متابعة النزوح" العراقِيَّة التابعةِ للأممِ المتَّحِدة. وتضطَرُّ عوائلُ كثيرةٌ إلى السكنِ في بيوتٍ مشترَكةٍ، بحكمِ غلاءِ إيجاراتِ البيوتِ، ما يؤدّي إلى تفاقُم ِالمشكلات الأسَرِيَّةِ، يكونُ الأطفالُ ضحيَّتها الأولى. وبغيابِ بُنيَةٍ تحتِيَّةٍ للتعليمِ العربيِّ المحضِ في كردِستان، فهم يَقضون معظمَ وقتِهم في الشارع.
أمّا يَتامى النازِحين وتَداخُلُ العائلاتِ في بعضِها، بحكمِ موتِ الأبِ أو الزوجِ، فهو أمرٌ غيرُ مطروحٍ كلِّيّاً مُشكِلةً اجتِماعِيَّةً، تُساهِمُ في إعادةِ إنتاجِ العنفِ وتوجيهِه نحوَ الفئاتِ الاجتماعِيَّةِ الأخرى.
وبحُكمِ البَطالةِ التي يَتعرّضُ لها الشبابُ، لعدمِ توفُّرِ فُرصِ العملِ في كُردستان بسببِ الأزمةِ
الماليَّةِ التي زامَنت قدومَ النازحين، يصبحُ الجيلُ الناشئُ عرضةً لمشكلات اجتِماعيَّةٍ عدّة. وفي السليمانِيّة، مثلاً، ازدادَت وِفقاً لتقاريرِ مراكزِ الأمنِ نسبةَ جرائمِ السرقةِ، ازدياداً سرعانَ ما نُسبَ إلى النازِحين. كما أنَّ بعضَهم من أهلِ البلدِ وَجدوا في دخولِ النازِحين إلى سوقِ العملِ برواتبَ بَخسةٍ تهديداً لليدِ العاملةِ المحلِّيَّة، لا سيَّما في الحرفِ الصِناعِيَّة والبناءِ والمطاعِم. خطابٌ يعزوه بعضُهم إلى الأزمةِ المالِيَّةِ التي يعرفُها الإقليم. إلى جانب ذلك، وَجد ملّاكو الشقق في المُجمَّعاتِ السَكَنِيَّة المُهمَلة (مثل مجمَّع بريز سيتي في السليمانيَّة والذي يقطُنُه أكثرُ من 300 عائلةٍ نازِحة) البعيدة عن مركز المدينة والمفتقِرةِ إلى الخدماتِ الأساسِيَّةِ، كالطرقِ المعبَّدةِ والمواصَلاتِ والمراكزِ الصحية والأمنية... إلخ، وجَدوا في النازِحين فرصة لكسب المال، وذلك بتأجيرِ بيوتٍ غيرِ مؤهَّلَة للسكن.
وفي غيابِ أيِّ أفقٍ في المستقبلِ المنظورِ، وانعِدامِ أيَّةِ سياسةٍ فعليَّةٍ، يأخذُ النزوحُ القسريُّ في إطارِ سياساتٍ مُستدامةٍ، تؤدّي إلى إعادة صياغةِ عقدٍ اجتماعيٍّ، يحافِظُ على البنيةِ الوطنيَّةِ، فإنَّ واقعَ الأمرِ يُظهرُ أنَّ التحوُّلاتِ العميقةِ المستحدَثةِ في حَركاتِ النزوحِ العراقي قد تؤدَّي إلى العكسِ تماماً.
ففي كردِستان، يَزدادُ الشبابُ النازحُ ارتِباطاً بالقادةِ القبليّين والدينيّين، إذ لا يبقى أمامَهم خارجَ أوضاعِهم الحياتيَّة العاديَّة، سوى الارتِباط بالقادةِ التقليديّين الذين ينبَرون لحلِّ المشكلات وشراءِ الولاءِ من خلالِ ذلك. فتحلُّ سلطتُهم محلَّ سلطةِ المؤسَّساتِ المَعنِيَّةِ بوضعِ النازِحين. وبذلك، تتمُّ إعادةُ إنتاجِ جيلٍ جديدٍ، بناءً على أسسٍ عدائيَّةٍ مذهَبِيَّةٍ أو إثنِيَّةٍ، توفِّرُ البنى الاجتِماعيَّة لبقاءِ هذه الزَّعاماتُ صاحِبةَ الكلمةِ الفصلِ في النزاعاتِ العراقِيَّةِ التي تمدُّهم بالنفوذ، كما تساهمُ في رسمِ حدودِ القطيعةِ المَذهبِيَّةِ السنِّيَّةِ الشيعيَّة.
ترجمة هناء جابر

avata
سامي داود وكارزان كاوسين

سامي داود، باحث وناقد، مدير تحرير المجلة الثقافية كلاويز- العربي، يقيم ويعمل في كردستان العراق. كارزان كاوسين، صحفي ومترجم.