وتأتي الجولة الجديدة في ظل معطيات ميدانية، أبرزها اتفاق الهدنة في جنوب سورية، ما عزز مخاوف السوريين على مستقبل بلادهم، في ظل عجز أممي واضح عن فرض اتفاق سياسي على النظام الساعي إلى فرض ارادته عبر الحسم العسكري، معتبراً التفاوض في جنيف مجرد "لقاءات إعلامية" لا أكثر ولا أقل. وحاول دي ميستورا طمأنة الجميع على أن مناطق خفض التصعيد لن تؤدي إلى تقسيم سورية. وقال، في مؤتمر صحافي في جنيف في ختام اليوم الأول من المفاوضات، إن "عدم التصعيد يجب أن يكون مرحلة انتقالية في سبيل وقف شامل لإطلاق النار في البلاد، ويجب ألا ينال من وحدة أراضي سورية أو يؤدي إلى تقسيمها". وأعلن أن مرحلة إرساء الاستقرار في سورية قد تعقب مرحلة عدم التصعيد، وربما تكون لها الأولوية بعد تحرير الرقة. وقال "لا نتوقع أن يكون هناك إنجاز كبير لجنيف 7"، مشيراً إلى أن "عملية خفض التصعيد هي عملية مؤقتة، ولا تقوض وحدة سلامة أراضي سورية". وأشار إلى أنّ "وقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية تقدم مهم، ونقطة فارقة في الأزمة السورية، وهناك مركز عمليات يراقب تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار". وأضاف "هناك حظوظ كبيرة لإنجاح اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب، وتجري اجتماعات في العاصمة الأردنية عمان لمتابعته وبحث تفاصيله".
وبدأت أمس جولة المفاوضات السابعة، التي ترعاها الأمم المتحدة بين المعارضة السورية والنظام، لمتابعة النقاش حول سلال التفاوض الأربع، وهي: الحكم، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب. وتبدي المعارضة السورية تخوفاً من تحول مسار جنيف برمته إلى اجتماعات لا طائل منها، خصوصاً أن النظام لم يقدم أي شيء يدل على رغبته في إنجاز اتفاق سياسي، إذ لا يزال يعتبر التفاوض مجرد "حوار سوري سوري"، ويرفض الحديث عن انتقال سياسي وفق بيان "جنيف1" الذي يدعو إلى تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات تنتقل إليها صلاحيات رئيس الجمهورية. ولم تنجح ست جولات من المفاوضات غير المباشرة بين المعارضة السورية والنظام، عقدت منذ العام 2014 في جنيف برعاية الأمم المتحدة، في تجسير هوة كبيرة بين طرفي الصراع في سورية، إذ لا يزال التفاوض يراوح مكانه بسبب وجود عقدة كبيرة أمامه، وهي مصير بشار الأسد، وأركان حكمه. وكانت الجولة الأخيرة من مفاوضات جنيف قد انتهت في 19 مايو/أيار الماضي من دون تحقيق أي تقدم لافت بسبب عدم وجود إرادة روسية أميركية تدفع المفاوضات قدماً، إذ لم تنضج بعد "الصفقة" الكبرى بين واشنطن وموسكو، والتي تتناول الكثير من الملفات العالقة في العالم، ضمنها الملف السوري.
أما عن مجريات اليوم الأول من المفاوضات، فقد أكد عضو الهيئة العليا للمفاوضات، أحمد العسراوي، الموجود في جنيف، أن دي ميستورا لم يقدم جدول أعمال واضحاً للجولة التفاوضية، مشيراً إلى أن وفد المعارضة سيجري لقاء رسمياً مع دي ميستورا اليوم. والتقى دي ميستورا في جنيف أيضاً رئيس وفد النظام إلى المفاوضات، بشار الجعفري. وأكد العسراوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن النظام "غير جاد في التفاوض"، مضيفاً أن "التفاوض الحقيقي يبدأ عندما نجلس مع وفد النظام حول طاولة واحدة"، معرباً عن اعتقاده بأن الجولة الحالية "لن تشهد اختراقات هامة" من شأنها تقريب موعد اتفاق على حل سياسي شامل. وأشار العسراوي إلى أن الاتفاق الرباعي بين روسيا وأميركا والأردن وإسرائيل حول الهدنة في جنوب سورية "لم ينعكس لا سلباً ولا إيجاباً" على مفاوضات جنيف. وقال "هو اتفاق غير واضح، يثير مخاوف السوريين على مستقبل بلادهم"، منوهاً إلى أن صيغة الاتفاق غامضة، وترسم عدة تساؤلات، فـ"هل هو إرساء لمنطقة آمنة؟ أم تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ ومحاصصة إقليمية ودولية؟"، مبدياً خشية من استبعاد منطقة شرقي الفرات التي تسيطر عليها الوحدات الكردية من مناطق خفض التوتر، موضحاً أن "هذا يولد لدينا الشك حول مساعٍ تستهدف وحدة سورية، واعتبارها جزءا من الأمة العربية الواحدة".
وحاول وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، التلاعب بالحقائق، معرباً عن ترحيب بلاده "بتوحيد جهود منصات موسكو والقاهرة والرياض للمعارضة السورية في محادثات جنيف". وقال "للمرة الأولى شاركت في المشاورات الفنية كافة المجموعات الرئيسية المعارضة، موسكو والقاهرة، وما يسمى الهيئة العليا للمفاوضات، التي كانت حتى الآن تعتبر أنه لا يشرّفها العمل مع المعارضين الذين يمثلون منصتي موسكو والقاهرة. نرحب بهذا التغيير بنشاط". وكان وفد من الهيئة العليا للمفاوضات، الممثلة للمعارضة السورية، قد عقد اجتماعاً تقنياً في لوزان مع باحثين دوليين، بهدف دعم جهود المعارضة السورية لإعداد رؤية حول مستقبل سورية وكيف يمكن أن تؤول الأوضاع فيها عقب إكمال عملية الانتقال السياسي، مع تقديم رؤية لتعزيز العملية التفاوضية تحت مظلة جنيف. وأكد لافروف أن مركز مراقبة مناطق خفض التصعيد الجاري تأسيسه في عمان سيتواصل بشكل مباشر مع الحكومة والمعارضة السورية، مشيراً إلى أن الاتفاق النهائي بشأن منطقتي حمص والغوطة الشرقية بات قريباً مع استمرار المفاوضات حول منطقة خفض التصعيد شمالي إدلب.
من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لـ"حزب الجمهورية"، مضر الدبس، في حديث مع "العربي الجديد"، "يبدو أن التوجه الدولي، الذي يقبع خلف الاتفاق الروسي الأميركي، هو تشكيل مناطق نفوذ مختلفة في سورية، تتشكل وفق مصالح هذه الدول الكبرى وتقاطعاتها الاقليمية، الأمر الذي يحمل مخاطر عديدة بالنسبة إلى مستقبل سورية والسوريين"، موضحاً أن أهم هذه المخاطر التي قد تنتج عن هذا الاتفاق هي المساهمة بتفكيك النسيج الوطني السوري على المستويين السياسي والاجتماعي. وأضاف "وفق هذه المعطيات تصبح مسألة تكوين قوة سياسية سورية وطنية ومتماسكة، من أهم أولويات العمل في هذه المرحلة"، مبيناً أنه "لا بد لهذه القوة من امتلاك المؤهل الذاتي الذي يمكنها من تحديد المصلحة الوطنية السورية وفرضها دولياً وإقليمياً". وطالب الدبس بأن يتم الانتقال من العمل تحت لافتة "قوى المعارضة"، إلى العمل وفق ما يمليه مبدأ المصلحة الوطنية المرسومة والمحددة بدقة وموضوعية، أي بمعنى آخر لا بد من إدراك المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق السياسيين السوريين لإنقاذ الخيار الوطني السوري، بوصفه الخيار الوحيد الضامن لحرية السوريين وكرامتهم. وأوضح أن هذا الانتقال الضروري هو ما تمليه تعقيدات المسألة السورية، و"انتقالها من حالة ثورة ضد طغمة حاكمة إجرامية، إلى ثورة أخلاقية عالمية ضد تعقيدات وإخفاقات المجتمع الدولي"، الذي يواجه في سورية "انتكاسة أخلاقية" بكل ما في الكلمة من معنى.
واستفاد النظام السوري من عدم تحديد مناطق خفض التصعيد وعدم شمول تنظيم "داعش" بوقف إطلاق النار، لشن هجوم على مناطق المعارضة في منطقة السويداء في جنوب سورية، وذلك بعد ساعات من دخول اتفاق أميركي روسي بشأن الهدنة في المنطقة حيز التنفيذ. وأطلقت قوات النظام السوري، أمس الإثنين، هجوماً ضد الفصائل المعارضة في محافظة السويداء، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، فيما ذكر الإعلام التابع للنظام أن العملية تستهدف تنظيم "داعش". وأفاد المرصد أن "قوات النظام بدأت هجوماً صباح الإثنين على الريف الشمالي الشرقي لمدينة السويداء، ترافق مع قصف للطائرات الحربية على مناطق الهجوم". وتتواجد في ريف السويداء فصائل معارضة تتلقى دعماً من التحالف الدولي، بقيادة أميركية. وتمكنت قوات النظام، وفق المرصد، من السيطرة على عدد من القرى والبلدات والتلال كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة.